كما نعلم فإن للإنسان دور محوري في تفسير الآيات والروايات، حتي لو كانت المصادر الروائية واحدة و جميع الأحاديث مشتركة فمن الطبيعي أن يحدث اختلاف في الفهم ومن المستبعد أن ينتج عن جلسات الحوار العديدة كلام واحد يصبح هو الفهم العام للبشر!
هذا معناه أن الخلاف الفكري أمر طبيعي وهذه القضية تنطبق علي الفقه أيضاً. هناك عبارة مشهورة بين الفقهاء أصحاب الإجتهاد وهي أن للمصيب أجران و للمخطيء أجر و هذا معناه أن أمر الله الواقعي مهمل من قبلنا وفي معظم الحالات لا نعلم إن كان مراد الله في موضوع ما هذا الحكم أم لا ولكن إذا اجتهد شخص و أصاب بشكل جيد فإنه ينال أجر لسعيه و أجر لأنه أصاب الواقع أيضاً و لكن إذا سعي ولم يصب- وفي الآخرة سيتضح ذلك- فإنه سينال علي الأقل أجر سعيه لأنه ليس لديه تكليف سوي ذلك.
بهذا الشرح يمكن أن نجد بشكل أفضل أنه لماذا العثور علي موضوع الحق أو «البحث عن إلقاء اللوم» في الخلافات الفقهية الطبيعية هو أمر مخالف للعقلانية. عندما نعلم أن في ذرات هذه المسألة يكمن اختلاف و الجميع مأجورين أيضاً-بشرط أن نشم الأسلوب الإجتهادي والأصولي الصحيح- فما الفائدة بعد ذلك من البحث عن إلقاء اللوم!
الشيء الرائج خاصة بين العلوم و للأسف بعض العلماء لا يعملون برسالتهم من أجل شرح ذلك هو أنهم بمجرد سماع اختلاف فقهي بين المذاهب الإسلامية فإنهم يسعون في العثور علي المذنب والوقوف في طرف الحق وإبطال الطرف المقابل!
والآن ليس بين مذهبين بل بين العلماء داخل المذهب الواحد هناك اختلافات فقهية كثيرة و هي كما أوضحنا أمر طبيعي و المقلدون بأي منها عملوا فإن ذلك يجزي. يمكن أن نضرب عشرات الأمثلة الفقهية التي يكون فيها رأي فقهاء الشيعة أحياناً أقرب إلي رأي بعض المذاهب الأربعة و بالعكس.
هذه الحكم يمكن تعميمه فيما يخص أكثر الأمور العقائدية و الفكرية أيضاً إلا في الأماكن التي يوجد فيها حكم قطعي لا يمكن تخطيه و إنكاره صعب للغاية. والله أعلم.
إن قبول مثل هذا الأصل و الشرط الهام يغلق طريق الكثير من التكفيريين و علي الأقل لا يجعل الخلافات الطبيعية التي لا يمكن اجتنابها سبب للفرقة والكراهية والحقد.