مع مجيء مصطفي كمال باشا (أتاتورك) إلي السلطة في تركيا وإعلان الجمهورية التركية بدأت موجة من محاربة الإسلام في بلد قد عرفناه حتي الأمس القريب علي أنه مقر خليفة المسلمين. سنشير في هذه السطور إلي بعض من تلك الإسلاموفوبيا
مع مجيء مصطفي كمال باشا (أتاتورك) إلي السلطة في تركيا وإعلان الجمهورية التركية بدأت موجة من محاربة الإسلام في بلد قد عرفناه حتي الأمس القريب علي أنه مقر خليفة المسلمين. سنشير في هذه السطور إلي بعض من تلك الإسلاموفوبيا.
...
كان مصطفي كمال باشا بعنوان مؤسس للجمهورية التركية الحديثة ينظر إلي أوروبا بمثابة النموذج الأفضل من حيث الشكل والمضمون. لقد اعتبر رسمياً أن الحضارة الأوروبية هي النموذج الرسمي للحكومة التركية. يقول أتاتورك في هذا المجال: «الحضارة التي يجب أن يبنيها الجيل الجديد في تركيا هي الحضارة الأوروبية في الشكل والمضمون. لأنه يوجد حضارة واحدة فقط تستطيع أن تقود المجتمع نحو القدرة والتغلب علي الطبيعة...جميع شعوب العالم مجبرون علي قبول النموذج الأوروبي والحضارة الأوروبية ليتمكنوا من امتلاك حياة مقرونة بالإحترام والمصداقية».
في الواقع إن نهج تركيا نحو أوروبا من منظور أتاتورك كان يعتبر في الحقيقة وداع للإسلام. لقد حاول من خلال هذا النهج سلب الهوية الإسلامية عن الشعب التركي التي تعتبر أهم عائق أمام أوروبية تركيا. لقد ظهر هذا النهج في الكثير من إجراءات وتدابير الحكومة في ذلك البلد. إن ثلاثة قضايا أساسية هي منع استخدام اللباس والحجاب الإسلامي للنساء والملابس والقبعات الخاصة برجال الدين للرجال و تحويل ذلك إلي نموذج الملابس الغربية، تحويل الحروف العربية للغة التركية إلي حروف لاتينية حيث كان تأثير ذلك أبعد من طبقة الثقافة بل استهدف عمق البنية الثقافية والمرجعية اللغوية؛ إلغاء الدين الإسلامي كدين رسمي من السياسات والنصوص الرسمية للبلاد.
في الأول من مارس 1924 اقترح مصطفي كمال في كلمة قصيرة مجموعة قوانين من أجل تغيير البنية الدينية للبلاد حيث تمت المصادقة عليه في اليوم التاريخي 3 مارس 1924 من قبل الجمعية الوطنية الكبري. وكان القرار الأكثر رمزية من قبل البرلمان في ذلك اليوم إلغاء جهاز الخلافة. بعد شهر واحد أي في 8أبريل 1924 تم إلغاء جهاز شيخ الإسلام، حل المحاكم الشرعية وتقاعد العلماء جميعاً كما مُنعت نشاطات كافة المدارس الدينية. حُلّت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف حيث أوكلت صلاحياتها إلي إدارة تابعة لمكتب رئيس الوزراء.
علي الرغم من أنه في أول دستور للجمهورية في عام 1924 تم اعتبار الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للبلاد لكن في الإصلاح الذي حدث عام 1928 حُذف منه عبارة «الإسلام دين الحكومة التركية» وتقرر أن يؤدي الأعضاء القسم ليس باسم الدين بل باسم الشعب والجمهورية. ومتابعة لهذه العملية و في التغييرات التي حصلت في عام 1937 في الدستور تم اعتبار أصل العلمانية واحد من الأصول الستة للبلاد.
نظراً للأعمال التي تمت في هذه المرحلة يمكن القول أن القضية الأساسية لمسؤولي تركيا الجديدة هي العبور من مجال الحضارة الإسلامية- الشرقية إلي نطاق الحضارة الغربية وهذا لم يكن فقط بمعني تغيير بنية الحكومة بل كانت تشمل قلب الحياة اليومية، تحوّل مفاهيم الزمان والمكان، طرق المأكل و الملبس و عادات وتقاليد الشعب التركي أيضاً. على حد تعبير مصطفى كمال باشا « الشعب التركي الذي يريد أن يكون متحضراً عليه أن يظهر أنه متحضر في عادات وتقاليد الحياة، في ظاهره وبعبارة واحدة من رأسه حتى أخمص قدميه» بعبارة أخرى يجب علي الأتراك أن يتركوا الوسائد والعباءة و العمامة والطربوش والسروال الواسع وكل ما يذكّر بالماضي حيث كانت تلك المرحلة تسمى بعهد الإنحطاط وأن يقبلول بدل ذلك أدوات و رموز الحضارة الغربية.
في الثاني من سبتمبر 1925 وبناءاً على مرسوم الحكومة فإن ارتداء الجبة والعباءة والعلامات الدينية من قبل الأشخاص الذين ليس لهم منصب ديني رسمي هو أمر ممنوع كما أصدروا أمراً لموظفي الدولة أمراَ «الملابس الدارجة لشعوب العالم المتحضر» يعني أن يرتدوا البدلة الرسمية ويضعوا قبعة على الرأس.
كانت المساعي تنصب على إلغاء المظاهر الإسلامية من المجتمع والسعي من أجل ما كانوا يسمونه التحضّر الدي كان يلاقي أحياناً مقاومة من المرأة العصرية. «شارك في حفلة الرقص التي أقيمت بمناسبة الذكرى السنوية لإعلان الجمهورية كبار الموطفون والضباط الرفيعون والديبلوماسيون الأجانب لكن النساء التركيات رفضن قبول دعوة الرجال للرقص. عندما انتبه مصطفى كمال لذلك خاطبهن قائلاً: لا يمكنني أن أتصور أن هناك امرأة في العالم يمكنها أن ترفض دعوة ضابط تركي للرقص. آمركم أن ترقصن!»
في عام 1926 استبدل المجلس التركي التقويم الأوروبي بالتقويم الهجري وبعد فترة أعلن أن يوم الأحد هو يوم عطلة رسمية. في عام 1928 قامت الجمهورية التركية ومن أجل القطيعة التامة لماضي العثمانيين وتراثهم الإسلامي باستبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية. تم إزالة العبارات العربية والدينية عن الواجهة الخارجية للمباني العامة كما منع استخدامها في المباني الخاصة أيضاًز
سافر كمال أتاتورك شخصياً إلى كافة أنحاء تركيا وطلب من الناس في اجتماعات عامة أو دروس تعليمية أن يتعلموا حروف الهجاء الجديدة بأسرع وقت ممكن. منذ بداية يناير 1929 أصبح استخدام حروف الأبجدية اللاتينية إجباري. كانت سنوات العشرينيات والثلاثينيات واحدة من أصعب عقود الصراع بين غالبية المجتمع المتدينة لبلد ما مع حكومة الأقلية في ذلك البلد.
لكن على الرغم من الحملة العلمانية على الدين كان مصطفى كمال يعلم جيداً أن تنظيم مجتمع و دولة حديثة دون وجود عقائد مشتركة تكون أساس وحدة المجتمع هو أمر غير ممكن. مع معرفته للجاذبة العاطفية للدين خلق نوع من «الدين المدني». وعلى حد قوله «الشعب بدون دين محكوم عليه بالفناء» باعتقاده إن إحباط المسلمين سببه أنهم نسوا «الإسلام الحقيقي» واستبدلوه بمجموعة من العقائد الخرافية و الأفكار البالية ومحاربة التغيير. لذلك قامت الدولة بتاليف وتدريس الكتب التعليمية الدينية للجنود. كان الجنود بقراءتهم هذه التعاليم يتعلمون أن الإسلام هو دين محبة الوطن، الإطاعة المطلقة للأوامر العسكرية، احترام العلم التركي، إطاعة أوامر الحكومة والتضحية بالروح في سبيل الشعب التركي. بناءاً على الكتب الشرعية لتلك الفترة فإن المسلم المؤمن يدفع ضرائبه بشكل منتطم، يكرّم قوانين الجمهورية، يحب المعرفة وبشكل عام يمتلك جميع صفات المواطن المثالي للحكومة الحديثة.
كان مصطفي كمال مقتنعاً أن الأتراك يجب أن يتعلموا أسلوب الترفيه من الغربيين ولأن الرقص هو أحد أساليب الترفيه الغربية المهمة تم الإهتمام بتعليم رقصات مثل التانغو، سوينغ، فوكس تروت، تشارلستون و الفالس كما تم تشكيل عدة صفوف رقص لكبار السن. مجالس الرقص تزيل المسافة والفصل بين المرأة والرجل في الأجواء التقليدية ولهذا السبب كان مصطفى كمال يؤكد على حضور ومشاركة السيدات في تلك المجالس.
بلغ حجم التعديات والظلم ضد إسلامية الدولة لدرجة أدت في النهاية إلى اعتراض المسلمين في تركيا. حجم هذه الإحتجاجات وعدم الرضا بلغ حداً جعل مصطفى كمال في النهاية ومن أجل السيطرة على مشاعر الناس يقرر تأسيس حزب وهمي معارض ضد الحزب الحاكم باسم الحزب الجمهوري الليبرالي.
المشهد التالي قد يكون واحداً من آلاف المشاهد المشابهة التي تحكي عن عمق وشدة الضغط وكراهية الناس للحكومة المناهض للاسلام يمكن أن تكون دليل على شدة القمع الذي تعرّض له الشعب المسلم:
«مع بداية الزيارات الدعائية للحزب الجمهوري الليبرالي انكشف السخط العام على الحكومة. تحول لقاء قادة الحزب الجمهوري الليبرالي لميناء أزمير بترحيب الناس غير المتوقع و تحوّل تلك المدينة إلى مسرح لإحتجاجات ضد الحزب الحاكم. أثناء الإشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين قتل على الأقل شاب عمره 14 عام برصاص الشرطة. بينما كان مسؤلوا الحزب الجمهوري الليبرالي يقضون إقامتهم في الفندق توجهت فجأة جموع كبيرة نحو الفندق. كان الجميع ثائرون وغاضبون. أحدهم كان يبكي، وآخر يسبّ ويلعن، وغيره يهدد. خرج من بين الجموع رجل عجوز يحتضن طفلاً و رمى نفسه فجأة على رجل فتحي بيك وقال: كل هذه الضحايا فداء رجلك! وسنقدم الضحايا أيضاً فقط خلّصنا...أنقذنا من أيدي هؤلاء المسؤولين!
المصادر:
كاليراد علي، من المجتمع الإيراني حتي الوطن التركي: الحياة الفكرية والسياسية لأحمد أقايوف، طهران، برديس دانش،2013.
أتابكي تورج، الحكومة و الأتباع، ترجمة آرش عزيزي، طهران، ققنوس، 2013
انتخابي نادر، الدين، الحكومة و التجدد في تركيا، طهران، هرمس، 2013
انتخابي نادر، الوطنية و التجدد في ايران و تركيا، طهران، آفتاب، 2011
نورالدين محمد، تركيا جمهورية تائهة، ترجمة سيد حسين موسوي، طهران، مركز الشرق الأوسط للبحوث العلمية و الدراسات الاستراتيجية ، 2004