إن أكبر درس لعاشوراء باعتبارها قدوة دائمة للأمة الإسلامية هو محاربة الفساد الإجتماعي و علي رأس ذلك حكومة الطواغيت. لكن هناك قيم أخري تمّ إحياؤها في حركة الثورة الحسينية بحيث أن تجاهلها يحرمنا من قسم كبير من عِبَر عاشوراء. «وحدة الناس حول محور التوحيد» أو بعبارة مختصرة «الوحدة التوحيدية» واحدة من المفاهيم التي تعرضت للأسف منذ أيام ثورة عاشوراء للتعتيم والتغاضي المتعمد.
علي بهادرزايي، طالب في حوزة قم العلمية
إن أكبر حكمة لشهادة الحسين بن علي عليه السلام والتي هي حكمة عزائه أيضاً بناءاً علي الأحاديث المعتبرة هي «القضاء علي الجهل ومحاربة الجهل» تماماً كما صرّح الإمام الصادق عليه السلام في زيارة الأربعين علي هذا الهدف كما اعتبر أن النجاة من الضلالة سببها تضحية الإمام بنفسه: «...بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبَادَكَ مِنَ الْجَهَالَةِ وَ حَيْرَةِ الضَّلَالَة...»(1) لا يخفي علي أهل الدين أن الجهل هو سبب لمعظم المفاسد و أحد أسباب إرسال الرسل هو الإنقاذ من الضلالة كما يقول الله سبحانه وتعالي: « كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّور » (2)
إن الشيء الضروري لأتباع الإمام(ع) في تحليل ملحمة عاشوراء الإطلاع علي جوانب تشكّل و تأثير و خلود القافلة الحسينية لنقف علي حكم علي عليه السلام من أن كل حركة تتوقف علي العلم والمعرفة « مَا مِنْ حَرَكَةٍ إِلَّا وَ أَنْتَ مُحْتَاجٌ فِيهَا إِلَى مَعْرِفَة » (3) مع حصول هكذا معرفة فإنهم يسيرون في طريق هذه القافلة و مع دعوة الأخرين فإن أعضاء هذه القافلة يزدادون مع مرور الوقت. إن أهم انحراف حصل في المجتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري و في فترة ما قبل الثورة الحسينية وفقاً للكاتب هو «أزمة المفاهيم الدينية» وتحريف نظام القيم الإسلامية، و هي الأزمة التي تجلّت بشكل تحريف أو قلب المفاهيم الدينية، إدخال المفاهيم غير الدينية إلي الدين (البدعة» و تلفيق المصاديق غير الواقعية للمفاهيم الدينية. ويعتبر أوضح تجلّي لهذا الإنحراف هو قلب مفهوم «الخلافة» و تحويله إلي «لحكومة» إضافة إلي اختلاق مصداق وهمي بعنوان «الخليفة» تماماً كما صرّح الإمام الحسين عليه السلام بهذا المعني من أنّ قصده من ثورته كان الإصلاح في أمّة جدّه: « إنّي لم أخرج أشراً، و لا بطراً، و لا مفسداً، و لا ظالماً؛ و إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف، و أنهى عن المنكر» (4) كما أن أوضح انحراف في الأمة في جهاز الخلافة: « إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَ بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَ بِنَا خَتَمَ اللَّهُ وَ يَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبُ الْخَمْرِ قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ وَ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ مِثْلَهُ ». (5)
إن أكبر درس لعاشوراء باعتبارها قدوة دائمة للأمة الإسلامية هو محاربة الفساد الإجتماعي و علي رأس ذلك حكومة الطواغيت. لكن هناك قيم أخري تمّ إحياؤها في حركة الثورة الحسينية بحيث أن تجاهلها يحرمنا من قسم كبير من عِبَر عاشوراء. «وحدة الناس حول محور التوحيد» أو بعبارة مختصرة «الوحدة التوحيدية» واحدة من المفاهيم التي تعرضت للأسف منذ أيام ثورة عاشوراء للتعتيم والتغاضي المتعمد. حتماً هذا التعاطي السلبي المفهومي يؤدي إلي اختفاء مصاديقه أيضاً حيث أن ثورة عاشوراء واحدة من هذه المصاديق. ثورة قد تحولت مع إخفاء وجهها الوحدوي إلي محل نزاع متحرك وعائق للوحدة؛ كما أن «عاشوراء الوحدوية» مع نظرة لدورها الفاعل من زهير بن القين (الذي لم يكن بشهادة التاريخ قبل التحاقه بقافلة الحسين شيعياً لأهل بيت النبوة بالمعني الإصطلاحي ) (6) حتي وهب (الذي كان مسيحياً) يمكن اعتبارها مكان لتجلّي الوحدة التوحيدية و دعوة كافة الموحدين للإستقامة، قد أخفوها وراء زيارة عاشوراء بالقراءة التي تعيق الوحدة ولا أحد يحتجّ علي ذلك! وفق تلك الرؤية فإن قبول محبة أهل البيت عليهم السلام دون أن يكون المرء شيعياٌ هو أمر غير ممكن ويجب أن يكون المحبّ شيعياً وإلا ليس له الحق في المحبة. إذا كان هناك أشخاص محبّون في التاريخ و اهتدوا هم أو نسلهم بواسطة هذه المحبة فإن ذلك غير متعلق بنا!
قال الإمام علي عليه السلام في مواجهته لشخص كان يحبه لكنه وبسبب الجهل كان يحب أعداءه أيضاٌ: «أَمَّا الْآنَ فَأَنْتَ أَعْوَرُ فَإِمَّا أَنْ تَعْمَى وَ إِمَّا أَنْ تُبْصِرُ.» (7) إن مهمتنا في التعامل مع هكذا شخص لديهم فرصة للهداية وفرصة للضلال و لم يصبح إلي الآن من أهل حزب الله أو حزب الشيطان هي نفس هدف الإمام الحسين عليه السلام من ثورته و الذي حققه عملياً مع أشخاص مثل زهير أو وهب: الإنقاذ من الضلالة. كذلك قام الإمام الصادق عليه السلام ضمن حديث بتبيين تكليف شيعته سلباٌ و إيجاباً تجاه الأخرين؛ إيجاباً هو أن عليهم العمل بما جاء في كتاب الله والسعي لهداية وإحياء أولئك الأشخاص و سلباً هو أن المشاركة بضلالهم (ولو بواسطة قطع حبال الهداية مثل محبة المهتدين) يعادل قتل الناس جميعاً. « قُلْتُ لَهُ (أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ) : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً فَقَالَ مَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ ضَلَالٍ إِلَى هُدًى فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهَا وَ مَنْ أَخْرَجَهَا مِنْ هُدًى إِلَى ضَلَالٍ فَقَدْ قَتَلَهَا » (8)
المصادر:
1 . تهذيب الاحكام ، الشيخ الطوسي ، ج 6 ، ص 113 .
2 . القرآن الكريم ، سورة ابراهيم ، الآية الثانية.
3 . تحف العقول عن آل الرسول صلي الله عليه و آله ، ص 171.
4 . بحار الأنوار ، ج 44 ، ص 329 .
5 . بحار الأنوار ، ج 44 ، ص 325 .
6 . تاريخ الأمم و الملوك 5 / 417 .
7 . بحارالانوار ، ج 27 ، ص 58.
8 .وسائل الشيعه ، ج 16 ، ص 187.
ترجمة: د.كامل سماعيل