حمولة ...

عليرضا كميلي

إذا أردنا أن نعرف لماذا سمّى آية الله الخامنئي الظروف الراهنة بالمنعطف التاريخي و لماذا يؤكد هكذا بشكل يومي على موضوع الوحدة الإسلامية، فليس أمامنا سوى إلقاء نظرة قصيرة على تاريخ المائة عام الأخيرة.

قام آية الله الخامنئي في خطابه عام 20013 بتحديد رسالة هامة في هذه الظروف: «إذا قامت طلائع و نخب الشعوب- سواء النخب السياسية، أم النخب العلمية و الدينية- بالقيام بمهامها بشكل صحيح فإن مستقبل العالم الإسلامي سيكون مستقبلاً جيداً؛ هناك أمل بهذا المستقبل. إن العالم الإسلامي يشعر بالصحوة. صحيح أنه في هذه النقطة فإن أعداء الإسلام- أولئك الأشخاص الذين يعارضون الصحوة الإسلامية، يعارضون استقلال الشعوب، يعارضون سلطة دين الله في الدول- يدخلون الساحة؛ حيث يختلقون أنواع و أقسام الحيل من أجل تراجع المجتمعات الإسلامية و أهم تلك الحيل بث الفرقة.»

لذلك إذا أردنا أن نقوم بمهامنا بشكل جيد فعلينا أن نعرف و بشكل جيد الظروف التاريخية و الهامة التي نوجد فيها.

التحليل التاريخي:

-إن الإختلافات الدينية موجودة منذ صدر الإسلام. لقد حاول أهل البيت عليهم السلام أن يديروا تلك الإختلافات بطريقة ما ،كيلا تؤدي إلى إضعاف العالم الإسلامي. ففي الفترة الأموية و العباسية تسببت انحرافات الحكام بإضعاف المسلمين بشكل تدريجي و مع هجوم المغول و الحروب الصليبية تم تقسيم الأمبراطورية الإسلامية.

-بعد عدة قرون استعاد المسلمون قوتهم حيث اجتمعت تلك القوة في إطار ثلاثة إمبراطوريات كبرى هي الأمبراطورية المغولية، العثمانية و الصفوية. هذه القوة منعت من تواجد الإستعمار في الدول الإسلامية حتى أربعمائة عام منذ بدء النشاط الإستعماري الأوروبي لذلك كان الأعداء يعملون على إضعاف تلك القوة.

-إن الحروب العثمانية- الصفوية و بث التحريض الديني بين هاتين الدولتين هي واحدة أخرى من الأعمال الخبيثة للإستعمار الغربي حيث قامت الدولتان بإضعاف بعضهما بدل الحرب مع العدو الغربي.

-منذ ذلك الوقت تفاقم الإنقسام الشيعي- السنّي كما تم تعزيز الإختلافات العرقية و الدينية من قبل المستعمرين.

-في المائتي عام الأخيرة و بالتدخل المباشر لهؤلاء المستعمرين انقرضت الإمبراطوريتان الإسلاميتان الكبيرتان يعني المغول في الهند(انقرضت عام 1857م) و العثمانية(انقرضت حوالي عام 1918م) و تلاشتا حيث كان هذا الأمر ضربة موجعة للعالم الإسلامي و خاصة لأهل السنة، كما أن كافة الأحداث التي وقعت في مصر و بقية الدول العربية كانت ارتداداً لهذا الموضوع. و في هذا السياق يمكن تحليل تأسيس الأخوان المسلمين و السلفية الجهادية.

-إن قمع المسلمين في كافة أنحاء العالم الإسلامي من قبل الإستعمار أو عملائهم من الهند حتى مصر كان السبب وراء تشكل التيارات المتطرفة و بعض النظريات المتطرفة وسط المسلمين.

العصر الحاضر:

بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية عانى المسلمون من أزمة هوية. فقد أصبح السؤال الأساسي لدى المفكرين المسلمين هو لماذا انهزم المسلمون أمام الغربيين. و قد قدموا ثلاثة أجوبة لهذا السؤال.

  • لقد فسّر البعض أن نجاح الغرب ناتج عن تركهم للدين بعد عصر النهضة و انتشرت وصفة التخلي عن الإسلام من أجل تقدم المجتمعات الإسلامية. بينما تمسك البعض الآخر بالقومية معتبرين أن محرك القومية هو السبب وراء نجاح الغرب حيث قدموا وصفة القومية. بينما اعتبرت مجموعة أخرى مثل السيد جمال الدين أسد آبادي أن ضعفنا  ناتج عن عدم رعاية الإسلام بشكل صحيح حيث أطلقوا نداء العودة إلى الهوية الدينية الأصيلة و تعاليم السلف الصالح.
  • بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى (1918- 1914) تلاشت أمبراطوريتهم لكنهم كانوا جسم المجتمعات الإسلامية و من هنا بدأت الحركات الإسلامية بتحركها. تأسست حركة الأخوان المسلمين عام 1928 و اتسعت نشاطاتها.
  • لقد حاول المستعمرون الذين وجدوا مع غياب القوى الإسلامية بعد عدة قرون إمكانية نهب الدول الإسلامية أن يعززوا الضعف في العالم الإسلامي.

لهذا السبب بدأوا بالعمل على تقسيم الدول و تفتيتها إلى قطع صغيرة. فالدولة الصغيرة لا تمتلك قوة كافية. تم توقيع معاهدة بين روسية و إنكلترا و فرنسة تعرف بمعاهدة سايكس بيكو حيث تم فيها تقسيم الدول!

  • العمل الخبيث الآخر الذي تم القيام به من أجل تثبيت عدم الأمن و الأزمات في الدول الإسلامية هو الإحتلال المباشر لفلسطين  في قلب المنطقة الإسلامية. ترافق هذا العمل الغير مسبوق بطرد السكان الأصليين من أراضيهم حيث تم جلب و استقدام اليهود المتطرفين الذين أصبحوا مصدرا للمشاكل في أوروبا و بهذا الشكل قاموا برمي عصفورين بحجر واحد!
  • هذه الحادثة كانت إهانة كبرى أصابت الأمة الإسلامية بصدمة. فقد تم احتلال قبلة المسلمين الأولى و تم تشريد المسلمين. لذلك اندلعت الحرب. منذ ذلك الوقت أصبحت فلسطين محوراً لكافة التقلبات السياسية في العالم الإسلامي.
  • بعد عدة سنوات و في عام 1956 استطاع تيار القومية العربية و المعروف بالناصرية، و بالتركيز على جمال عبد الناصر و مساعدة الإتحاد السوفييتي السابق توجيه ضربة للإنكليز و فرنسة و المحتلين الصهاينة الذين كانوا يسيطرون على صحراء سيناء و على قناة السويس أيضاً. هذا النجاح خلق موجة من التفاؤل بين الشعوب المسلمة ليعيد إحياء الشعور بالمطالبة بالإستقلال القائم على القومية العربية. و خلال عدة سنوات استطاعت كافة الدول الإسلامية طرد المستعمرين عن أراضيها و كانت الجزائر آخر هذه الدول. لقد استطاع الجزائريون بعد تقديم مليون و نصف شهيد من استعادة استقلال بلادهم من المستعمر الفرنسي.
  • كان التيار الغربي يعتقد أنه يجب أن يصبح المجتمع غربياً من رأسه حتى أخمص قدميه و بسبب تواجد الإستعمار و جرائمه و النهب و التغيير الثقافي الذي تم إيجاده بالقوة أصبح هذا التيار مكروهاً من المجتمع. بالرغم من أن الأدوات الثقافية التي تم تصميمها بدعم من الإستبداد المرتبط بالغرب قد خلقت تزلزلاً و ضعفاً في العقائد لدى مجموعة من الجيل الجديد.
  • عاد التيار القومي مرة أخرى ليشتبك مع المحتلين. هذه المرة قامت عدة دول في عام 1967 بمهاجمة اسرائيل لكنهم لاقوا هزيمة نكراء. و بهذه الطريقة ساهمت حرب الستة أيام في أفول نجم الحركة القومية.
  • التيار الوحيد الذي لم ينجح بالوصول إلى السلطة مرة ثانية بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية هو التيار الإسلامي لذلك كان الإلتحاق العام بهذا التيار مناسباً. كل يوم كان تيار إسلامي جديد يتشكل في العديد من الدول.

الثورة الإسلامية الإيرانية:

-في تلك الظروف التي كان الإنضمام إلى الإسلاميين يزداد حدث انفجار في المنطقة. ففي الدولة التي كان من المفترض أن تكون حامية لمصالح القوى العالمية العظمى بلا منازع و شرطي المنطقة انبثقت ثورة بشعارات اسلامية. لقد كان تصديق ذلك الأمر صعب بالنسبة للكثيرين  إلا أن طبيعة الثورة الإيرانية المناهضة للصهيونية قد تجلت في إغلاق سفارة الكيان الصهيوني في طهران و إهداءها للفلسطينيين، كما أن مناهضتها لأمريكا ظهرت في الإستيلاء على السفارة الأمريكية، كما أن هجوم العراق الذي كان مرتبطاً بالقطب اليساري على إيران قد أثبت بشكل واضح طبيعة  هذه الثورة بأنها «لا شرقية و لا غربية».

-تقريباً منذ بداية الثورة واجهت الثورة الإسلامية في إيران ثلاث نظرات في العالم. نظرة متشائمة و معارضة، نظرة متفائلة و داعمة و نظرة كانت تنظر بالشك إلى هذه الظاهرة لأنها من جهة قد أحيت الإسلام و كانت تراها ضد أمريكا، و من جهة أخرى أقلقتها الدعاية المعادية للشيعة و إيران و كانت تريد أن تعرف هل ستتكرر الصفوية مرة أخرى و سيتعرض أهل السنةللضغوط أم لا؟

-بالرغم من أن الثورة الإسلامية الإيرانية قد بثت المعنوية لدى المسلمين من أجل إثبات إمكانية تعويض إهانة الهوية و الإهانة التاريخية و مواجهة الإستعمار إلا أنها ترافقت بثلاثة آثار هي:

الف)بشكل طبيعي و مع حدوث الثورة برزت الشيعة في العالم و أصبحت قوية في كافة أرجاء العالم و بالطبع خرجت من الذل و أصبحت قعّالة. هذا الموضوع جعل الظروف مهيأة للخوف الديني حيث دخل العدو من هذه النقطة.

ب)الأهم من هذا كله تعرض مصالح الإستكبار للخطر من خلال مطالبة المسلمين بالإستقلال و هذا ما أجبرهم على الإستفادة من الإختلافات الدينية ليحولوا دون تحقق تشكيل «اتحاد الجماهير الاسلامية» من أجل قطع رجل الغرب عن المنطقة.

ج)موضوع آخر هو التغيير المفاجيء في الجغرافيا السياسية الإسلامية من القسم العربي إلى إيران. لقد كان هذا الموضوع صعباً بالنسبة للتيارات ذات التعصبات العربية. لقد حاول العدو بعد الثورة أن يضرب كافة مكتسباتنا ذات «الطابع القومي و الديني» و أن يحرّض العروبة أو بقية المذاهب الإسلامية. لقد سقط بعضنا في هذا الشرك دون علم منه. بدل المواجهة مع إسرائيل و أمريكا.

-في الوقت الذي اتجه العرب نحو السلام معهم- ليقوم العدو بتشويه صورة  تقوية تيار المقاومة ضد إسرائيل في فلسطين و لبنان و التي جميعها من مكتسبات الثورة الإسلامية الإيرانية.  

لقد قام الأبناء الروحيون للثورة يعني الجهاد الإسلامي (1980) حزب الله (1982) و حماس (1987) و الذين تشكلوا جميعاص بعد الثورة بتوجيه ضربات قاصمة للكيان الصهيوني الغاصب  و بذلك قاموا بإفشال مشروع الشرق الأوسط الكبير و مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بدأت أمريكا به بعد انهيار الإتحاد السوفييتي في عام 1991 و الآخر بعد الهجوم على برجي التجارة العالميين عام 2001. لقد نجح تيار المقاومة في القضاء على برامج أمريكا من أجل الإستيلاء الكامل على منطقة غرب أسيا.

-و تحت تأثير هذه النجاحات تشكلت «الصحوة الإسلامية» في المنطقة من أجل القضاء على العقبة الوحيدة التي تحول دون نمو الإسلامية يعني الحكّام المستبدين المرتبطين بالغرب. لقد كانت هذه الخطوة عملاً كبيراً من أجل إعداد الأرضية لتحقيق الحضارة الإسلامية الحديثة و لكن للأسف و مع تدخل الامريكيين و الدول العربية و بعض الأخطاء التي قام بها الإسلاميون تأخر حدوث ذلك لفترة معينة.

 -إحدى المواضيع الهامة و المريرة التي ظهرت بعد الهجوم الأمريكي على العراق في عام 2003 و مجيء الشيعة إلى السلطة هو ترويج وسائل الإعلام الغربية و العربية المخادعة لفكرة أن الشيعة و الأمريكيين قد تواطأوا و عملوا سوية من أجل إلغاء أهل السنة في العراق! منذ ذلك الوقت قاموا بطرح مشروع «الهلال الشيعي». إن الصراع الديني في العراق لم يهدأ و لو حتى ليوم واحد. إضافة إلى خلق «الأزمة السورية» و التعبير عن ذلك بقتل الشيعة للسنة! بلغ التأجيج الطائفي هذا أوجه حيث جعل نظرة أهل السنة في العالم أجمع نظرة متشائمة تجاه إيران و حزب الله. إن إعادة إنتاج و نشر بعض التيارات المسلحة التكفيرية يجب دراستها و تحليلها . 




المستعمل تعليقات