قال أن اختيار الشخص ما بين صديقه و بين الحق هو الذي يحدد كونه شيعيا واقعيا أم لا. قال أن الشيعي هو ذلك الشخص الذي لا حاجة الى أن يشهد عليه شخص آخر, بل هو الذي يشهد على نفسه.
عنوان بحثنا في هذا اليوم "علي و لا شيعته", المقصود من "اللاشيعة" ليس أهل السنة بل نحن أنفسنا. عند التحقيق في التعاريف الواردة في كلام أهل البيت(ع) للشيعة و النظر الى مدى انطباقها علينا سيتضح أننا "لا شيعة" و لسنا "شيعة". لأننا ولدنا في مجتمع شيعي افترضنا أننا شيعة, و غير الشيعة أيضا يعتبروننا شيعة. هناك بون شاسع ما بين مفهوم التشيع في التصنيف الاجتماعي الطائفي و بين مفهوم التشيع في تصنيف أهل البيت(ع) الوارد في مصادر المذهب.
ماهي النسبة ما بين الاسلام والتشيع؟ هل الاسلام شيء و التشيع شيء آخر دخيل عليه؟ كلا. لو قال شخص ما قولا مخالفا للإسلام و القرآن فقطعا عليكم أن تنعتوه بالمبتدع. الشيعة يعتقدون أن أهل بيت الرسول(ص) امتداد له.
التشيع هو الثبات على الاسلام
لقد كان خلاف المسلمين بعد النبي(ص) معلوما مسبقا, و لأجل ذلك حدد الرسول(ص) للمسلمين تكليفهم بعد وفاته. الشيعة يعتقدون أنه كما أن الذي يعين النبي هو الله عز و جل, كذلك الذي يعين القيادة الدينية التي من شأنها تبيين الدين و تسلم زمام الحكومة هو الله عز و جل أيضا. يعني المرجعية العلمية و المعرفية و كذلك المرجعية السياسية و الزعامتية, كلا الجنبتين مع بعضهما البعض. ان الله هو الذي يحدد أسس ذلك, و حتى لا يلحق البلاء الذي لحق بالتوراة و الانجيل بالقرآن أيضا: عين الرسول الأكرم(ص) وصيه بأمر من الله عز و جل .
وردت روايات من المصادر الشيعية و السنية أن النبي الأكرم (ص) قال : الخلفاء من بعدي اثنا عشر, طبعا يوجد خلاف بين الشيعة و السنة في تشخيص هؤلاء الخلفاء الاثنا عشر. التشيع ليس فرعا من الاسلام, بنظرنا هو الثبات على الاسلام بعد النبي(ص) حتى يبقى كما كان عليه زمن حياته. اذن لو قام شخص ما و قال لا علاقة لنا نحن الشيعة بالقرآن و النبي(ص) و نحن مرتبطون بأهل البيت(ع) فقط فهو ليس بشيعي: هذا تشيع منحرف.
التشيع يبتدأ من القرآن و السنة النبوية الشريفة و يتحدث عن العترة الطاهرة (ع) بعنوانها استمرارا و امتدادا لها, لأن جميع أهل البيت(ع) انما جاؤوا ليبينوا القرآن و السنة.
التشيع ليس طائفية, و لا تأليها لأهل البيت(ع), و لا رفعا لمقامهم فوق مقام الرسول الأكرم(ص). التشيع نمط تفكير و أخلاق و حياة. لقد قال أهل البيت(ع) أن أكثر الناس الذين يقولون نحن شيعة أهل البيت(ع) هم في الواقع محبون لنا و ليسوا شيعتنا, عاشقون لأهل البيت(ع) و لكنهم ليسوا شيعتهم. طبعا, أخبرونا أن حب الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته(ع) منج.
يقول أمير المؤمنين(ع) أن مجموعتين من المتظاهرين بالإسلام كافرتين, احداهما تلك التي تغالي: يعني أنها ترفع عليا(ع) فوق القرآن و فوق الرسول الأكرم(ص), و تنسب الرازقية و الخالقية الى أهل البيت(ع), أما المجموعة الثانية فهي تلك التي تهين عليا(ع) و أبنائه: يعني النواصب. الناصبي هو الكافر و ليس السني.
الشيعة ليسوا أهل دعة و راحة
ما هي ملاكات تشخيص الشيعة؟ في احدى المرات جاء أناس الى أمير المؤمنين(ع) و قالوا له نحن شيعتكم, فقال لهم شيعتنا لا يكونوا بدينين الى هذا الحد, و لا تلوح آثار الترف و الراحة من مظهرهم هكذا. يجب على الشيعي أن يهتم بالله و بخلق الله الى حد لا يقوى فيه على النوم و الأكل بشكل جيد و التوجه الى اللذائذ و العيش المرفه, ترى بطنه ملتصقة بظهره و هو مصفر الوجه, وتجده في النهار دائما مشغولا بالعمل الصالح و خدمة خلق الله و بالجهاد في سبيله, اما في الليل فهو يدعو الله و يتعبده و يفكر في خلق الله و يخدمهم.
شيعتنا ليسوا من أهل الدعة و الراحة و الاتكال على الغير و البحث عن الملذات و الحياة المرفهة الذين لا يفكرون الا في أنفسهم.
توجد روايات كثيرة من هذا القبيل, يروي الامام الصادق(ع) أن الرسول الأكرم(ص) قال أن المؤمن الحقيقي هو ذلك يثق به كل الناس الى حد أنهم يستأمنوه على أموالهم و أرواحهم.
المجتمع الشيعي مجتمع يسوده الأمن التام, يقول الامام السجاد(ع) أنه لو أستؤمن على السيف الذي قتل به أبوه الحسين(ع) في كربلاء لما خان تلك الأمانة.
لدينا رواية مفادها أنكم لو رأيتم أشخاصا يكثرون من الحج أو من الصلاة فلا تعتقدوا مباشرة أنهم من الشيعة, فربما يكونوا قد تعودوا فقط على هذه الأعمال لا أكثر. يعرف الشيعي فعلا عندما يلج عالم السياسة و الاقتصاد ثم لا يكذب و لو لمرة واحدة, الشيعي أمين أيضا و الجميع يثقون به, حتى أولئك الذين يرفضونه فكريا فهم يعتقدون أنه انسان جيد.
ثم قال أن المسلم هو من سلم غيره من يده و من لسانه, يعني أنه لا يوجه أي أذى لأي أحد, ثم أضاف أن المهاجر هو من يهجر جميع السيئات و الرذائل.
الشيعي يرى أن الحياة المترفة مصيبة
أهل البيت(ع) قالوا: لن تكون مؤمنا حتى تكون محل ثقة الناس. صفة أخرى هي أن الشيعي لا يستسلم أمام أي مشكلة و يعتقد أن كل المصائب و المشاكل هي عبارة عن امتحانات و فرص متجددة من أجل تكامله. و على عكس الكثيرين يرى أن الترف مصيبة, يعني أن الحياة المليئة بالملذة و الرفاهية مصدر للمصيبة لأنها تبعده عن السعادة, لأن الانسان عندما يسكر بالمال و المقام و الترف يفقد عقله ,تماما كالذي يسكر بالخمر.
سئل الامام العسكري(ع) عن الشيعي الحقيقي: فقال أن الشيعي هو الشخص الذي ينطبق عليه تعريف الرسول الأكرم(ص) للمؤمن. الشيعي لا يوجد في قلبه بغض أو حقد تجاه أي شخص, لا يعرف الحب و البغض الشخصيين, حبه و بغضه هما من أجل الحق فقط و ليسا من أجل مصلحته الشخصية.
لقد قال أهل البيت(ع) أن ولايتهم هي أن يكون حبنا و بغضنا تابعا للحق, و أكدوا أن الذي لا يلتزم بهذا فلن يذوق طعم الايمان و لو صلى ما صلى و صام ما صام.
هناك معيار آخر ألا و هو أن يحس الفرد بمشاكل الاخوان و يعتبرها مشكلته الخاصة, لأن المؤمن يقول مشكلتك هي مشكلتي, و لا يقول لا علاقة لي بمشكلتك. لقد أخبرنا الامام العسكري(ع) أن الذي يقول لأخيه لا علاقة لي بمشكلتك فهو كافر.
قال أن المجتمع الشيعي مجتمع لا يبقى فيه أي فرد وحيدا, عندما يفلس الفرد أو يمرض أو يتعرض لخطر من قبل عدو فلا يترك و شأنه. و قال لنا أيضا شاركوا الناس في أفراحهم و أحزانهم, و قال أن مجتمعكم لو كان هكذا فأنتم شيعة والا فلستم بشيعة.
تشهدون على أنفسكم
ثم قال طبعا أنتم الآن أصدقاء فيما بينكم ولكن من أجل مصالحكم, في تلك اللحظة التي تصطدم فيها مصالحكم ببعضها سوف تفقؤون أعين بعضكم البعض. هذه ليست تلك الأخوة الشيعية الاسلامية: هذا نمط حياة الكفار. قال عندما تتعارض منافعكم قدموا اخوانكم على أنفسكم, في ذلك الوقت الذي تضحون فيه بمنافعكم من أجل اخوانكم تكونون شيعة. قال أن اختيار الشخص ما بين صديقه و بين الحق هو الذي يحدد كونه شيعيا واقعيا أم لا. قال أن الشيعي هو ذلك الشخص الذي لا حاجة الى أن يشهد عليه شخص آخر, بل هو الذي يشهد على نفسه.
لقد علمنا أمير المؤمنين(ع) أن المجتمع الشيعي هو ذلك المجتمع الذي نجد فيه الخصائص التالية: أولا الناس فيه لا يكذبون, ثانيا يؤدون الأمانة, ثالثا يوفون بعهدهم, رابعا يساعدون الضعيف, خامسا لا يتعاملون مع المسائل الجنسية بإباحية, سادسا يصلون الرحم, سابعا يبذلون المعروف, ثامنا خلقهم حسن, تاسعا مرفهون نسبيا فلا هم في فقر و لا هم في ترف, عاشرا محور وجود هذا المجتمع هو السعي خلف العلم و العمل.
قال أوف بما عاهدت عليه, لو تعاقدوا معك على أن تعمل 10 ساعات و عملت 9 ساعات فقط فأنت خائن. المنتج الذي ينتج شيئا رديء النوعية ليس بشيعي, و كذلك المستهلك الذي لا يحمي اقتصاد بلده من أجل مصلحته الشخصية. واضع القوانين الذي يعمل في الحكومة و في البرلمان و يمرر قوانين غير مدروسة بحيث تعم الفائدة كلا من المنتج و المستهلك ليس شيعيا أيضا.
فلننصح أنفسنا
الآن ما الذي يجب أن نفعله؟ أولا يجب علينا مراجعة كل هذه الملاكات و المواصفات حتى نفهم ما معنى أن تكون شيعيا, ثم يصلح كل واحد منا عمله بحسب موقعه. لقد كان الامام الخميني(رض) يقول أنه لو قام كل فرد بعمله كما ينبغي بحسب موقعه فان وضع البلد سيصلح. لكننا تعودنا أن ننصح الآخرين بدل أن ننصح غيرنا, فالخباز ينتقد السائق, و البقال يشكل على العامل, و كذلك العامل ينصح البقال...........لا أحد يشكل على نفسه أو ينتقدها.
أداء الأمانة ليس هو المحافظة على متاع شخص ما فقط, العمل أمانة, العلم أمانة, المناصب الحكومية من أعظم الأمانات. أمير المؤمنين(ع) كان يقول أن المناصب الحكومية أمانة الله و أمانة الناس. كل من تحمل مسؤولية و أدى عمله كما ينبغي يجب عليه أن يقدم جوابا في الدنيا و في الآخرة.
المجتمع و الناس الذين لا يوفون بعهدهم ليسوا شيعة, لقد قال أن المجتمع الشيعي مجتمع أفراده لا يتحملون صوت بكاء أو أنين أي شخص. حيثما وصل خبر أن ضعيفا يعاني من مشكلة ما يتضامنون معه بسرعة. يجب المحافظة على الأخلاق في المجتمع الشيعي, بذل المعروف يعني أن كل من لديه شيء زائد على حاجته يقدمه الى من يحتاج اليه.
في المجتمع الشيعي الزواج سهل
المجتمع الشيعي مجتمع يؤول فيه العنف و النزاع و الاضطراب الى الانعدام. الشيعي هو الشخص الذي يبتسم و قلبه قد مليء قيحا.
وردت رواية أخرى تقول أن المجتمع الشيعي هو ذلك المجتمع الذي يتسم بما يلي : أولا لا يتسول فيه أحد, اما أن يقوى الشخص على العمل فيعمل و اما أن لا يستطيع ذلك فيتكفل به بواسطة بيت المال و مساعدة الأغنياء. ثانيا لا أثر للبخل و الحرص فيه, لقد قالت الرواية أن الشيعي محال أن يكون بخيلا.
أخبرنا الأئمة(ع) أن المجتمع الشيعي لا يئن أفراده بسبب المشاكل, و شبهوا الشيعي بالغراب حيث أنه ليس بطماع. و قالوا أن الفساد الجنسي لا يمكن أن ينتشر في المجتمع الشيعي, لأن الزواج فيه سهل حيث تترك فيه الشروط الثقيلة, و ترفع حواجز المقام و الوجاهات الزائفة.
جاء أشخاص الى الامام(ع) و قالوا له يوجد في مدينتنا شيعة كثر, فسألهم ان كان الأغنياء يتفقدون حال الفقراء, و هل عندهم علم بحال الفقراء. فقالوا له أحيانا, فسألهم ان كانوا يقسمون أموالهم فيما بينهم و بين الفقراء فقالوا له أنهم لا يقومون يهذا العمل. فاعترض عليهم أنهم قالوا نحن شيعة, و قال لهم أنتم محبون و لستم شيعة, الشيعي هو الذي ان كان له لباس زائد على حاجته اهداه الى أخيه المحتاج اليه.