أنا لم أرَ أي شيعي يتبرك من التراب بين طريق النجف وكربلاء. لكنني شاهدت أخانا من أهل السنّة عبد الرحيم يأخذ من التراب بين طريق النجف و كربلاء ويضعه في كيس. فسألته عن السبب في ذلك. قال: لقد مرضت ابنتي و قالت لي أبي قد شاهدت ليلة أمس حلماً أنك تحضر لي تراب من الطريق بين كربلاء والنجف. والآن أنا آخذ هذا التراب للتبرّك.
حسين آخر!
لا يعرف كهلاً وشاباً و شيعي وسني و مسلم و مسيحي.
صباح الجمعة التحقت بقافلة قم تضم اثنين وسبعين شخصاً. كانوا يأتون من طهران. لكن لم يكونوا طهرانيين؛ كانوا من سيستان وبلوشستان و كلستان. بعضهم كان قد سار لأكثر من 48 ساعة؛ من جابهار بلوشستان و كلاله كلستان.
ضغطنا على أيدي بعضنا بحرارة وأصبحنا رفاق سفر إلى كربلاء. كنت أشعر أنّ زيارة الإمام الحسين(ع) بالنسبة لمولوي و رجل دين من أهل السنّة تحمل طابع السياحة أو رحلة علمية لا أكثر. نزلنا في مطعم وصلّينا الظهر جماعة و تناولنا الغداء. عندما وصلنا بالقرب من بروجرد بدأنا نشاهد رويداً رويداً أول موقف استراحة مجاني للزائرين. نزلنا لكي نصلّي صلاة العصر. بعد الصلاة أردنا أن نتعرف ونفتح الحديث. سألت واحداً منهم وكان سنّه أكبر من الآخرين وفي يده أول كأس شاي على طريق كربلاء: ما هو هدفك من زيارة الإمام الحسين(ع) وما هي نظرتك إلى هذه الرحلة؟ قال: عشق الحسين!! تعجبت و اعتبرت أن كلامه هذا مجاملة و تعاطفاً مع رفاق سفره من الشيعة. قلت في نفسي إنه يريد بالتأكيد أن نكون طليقين مع بعضنا. كان يراعي بعض الآداب ويتحدث بحسب ما نرغب.
وصلنا إلى مهران وبعد فترة من الإستراحة و تناول العشاء التي كانت عبارة عن بطاطا مسلوقة ذهبنا نحو نهاية الحدود وأصبحنا بين حشود غفيرة من الناس. كان الضغط كثيراً جداً. كان البعض يدفعون بشكل متعمد. أحياناً كانت تُشاهد بعض النساء بين الجموع أيضاً. فكرت في نفسي متعجباً! الأمر أصبح سيئاً بالنسبة لنا. منذ بداية الرحلة لو كنت أنا مكان هؤلاء الأخوة من أهل السنّة وشاهدت كل هذه الفوضى فماذا كنت لأظن؟ عبرنا الحدود بمشقة كبيرة. ثم ركبنا الحافلات ثانية و بسبب الإزدحام الشديد استغرق الطريق من مهران إلى النجف ثماني ساعات. كما أننا لم نتناول الغداء.لم يعترض أيّ منهم. أقمنا في الحوزة العلمية التي كانت قد أسستها بعثة سماحة القائد. كان المكان كبيراً ولكن بقي لنا الصالون فقط فالغرف كانت ممتلئة. الآن وبعد كل هذا الطريق الذي أتعبنا نحن الشباب فإن كبار السنّ الذين كانوا قد ساروا قبلنا وبدل أن يأخذوا فراشاً ويستريحوا قالوا: متى سنذهب إلى زيارة حرم سيدنا علي(ع)؟! تقرر أن نتناول العشاء و نذهب إلى الزيارة في الثانية بعد منتصف الليل حيث يكون الحرم أقلّ ازدحاماً. قلت أنا و رفيقَي الشيعة سيد مهدي و محمد تقي بما أنه لدينا متسع من الوقت فلنذهب إلى الكوفة. أخذنا سيارة أجرة و زرنا مسجد الكوفة و قبر ميثم التمار. عندما عرف أخوتنا من أهل السنة بذهابنا إلى الكوفة حزنوا كثيراً وقالوا: لماذا لم تقولوا كنا ذهبنا سوية؟! المهم أننا عدنا إلى زيارة إيوان النجف الجميل و زرنا مرقد أمير المؤمنين(ع) وعدنا واصلين الليل بالصباح.
في الساعة السابعة صباحاً انطلقنا نحو جسر ثورة العشرين. كان الأستاذ رحيم بور أزغدي يخطب. خلال حديثه كان يتحدث عن حضور الاخوة من أهل السنة بين جموع زائري الأربعين. ثم صعد السيد باخاني من الأخوة أهل السنة والذي كان لديه قريحة شعرية إلى المنبر وأنشد قصائد في مدح أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين(عليهم السلام). ثم بدأ حجة الإسلام بناهيان بخطبته كما تحدث عن حضور الأخوة من أهل السنّة في حشود الزائرين.
من هنا انطلقت في المسير بقرب جابر وبدأنا سفر العشق سيراً على الأقدام. وعددنا أعمدة الطريق شوقاً إلى الحرم.
كنت قلقاً من أن يفهم الناس أن هذه القافلة من الأخوة أهل السنّة فيبدون ردات فعل غير لائقة وأن تصادفنا مشكلة ولكن بمنتهى التعجب فإن 99 بالمائة من الناس كانوا يفرحون لمعرفتهم أن الأخوة من أهل السنّة قد جاؤوا لزيارة أبي عبدالله(ع).
كانت الدموع تتجمع في عيونهم: من هو الحسين الذي جنّ العالم أجمع بحبه. كان يتبادر إلى أذهان البعض هذا السؤال وهو هل يقبلأهل السنة الإمام الحسين(ع) ليأتون إلى زيارته؟ كانوا قليلون جداّ أولئك الذين يقطّبون جبينهم و يبدون ردة فعل سلبية.
لقد ارتشفنا أكثر مما تتصورون مع أخواننا الشاي العراقي الثقيل و سمعنا الكثير عن عاداتهم و تقاليدهم و آلامهم ومشاكلهم وأبحاثهم العلمية فيما بينهم. أكثر شيء كان قد أثار تعجب أخوتنا الحماس والشوق الذي لا يوصف لدى زائري الأربعين؛ أعم من المواكب و الخدّام و الزائرين الشباب و الكهول ، الفقراء والأغنياء، بألوان ولغات مختلفة. في كل وقت كانت تحين فيها إحدى صلواتهم الخمسة كانوا يقيمون صلاة الجماعة. كان الكثير من الناس يأخذون معهم صوراً تذكارية وخاصة مع السيد سوادكر الذي كان يضع على رأسه قبعة تركمانية. سوداكر يحب قائد الثورة كثيراً. بالطبع كان معنا مصور؛ كما كان معنا ياشار رئيس تحرير موقع تركمان نيوز الإلكتروني حيث كان ينقل أخبار السفر المشترك للشيعة وأهل السنة إلى كربلاء.
طبعاً بسبب تقدّم البعض من أعضاء القافلة في السن ومرضهم الجسمي فقد استطعنا أن نقطع نصف المسافة فقط سيراً على الأقدام وما بقي من الطريق قطعناه بالحافلة.
أنا لم أرَ أي شيعي يتبرك من التراب بين طريق النجف وكربلاء. لكنني شاهدت أخانا من أهل السنّة عبد الرحيم يأخذ من التراب بين طريق النجف و كربلاء ويضعه في كيس. فسألته عن السبب في ذلك. قال: لقد مرضت ابنتي و قالت لي أبي قد شاهدت ليلة أمس حلماً أنك تحضر لي تراب من الطريق بين كربلاء والنجف. والآن أنا آخذ هذا التراب للتبرّك.
.
أثناء مسيرنا سيراً على الأقدام فتح لي محمد صالح قلبه و تحدثنا مع بعضنا كثيراً. كان لديه مشكلة و حاجة. لقد رجاني ان أدعو له من أجل تحقيق حاجته. قدمت له بعض النصائح العلمية من أجل حل مشكلته. طلب مني أن أكتب التوصيات وأعطيها له. حصلنا على ورقة لكن لم نحصل على قلم. لم أستطع أن أكتب له.
إنّ لأهل السنة طريقة سلوك غير مذهبهم. كان معظم أصدقائنا "نقشبندية" والبعض منهم "قادري". جميع أهل السنة في العالم تقريباً يحبون أهل البيت(ع). حتى أولئك الذين يعارضون الشيعة والتشيع فإنهم لا ينكرون أهل البيت(ع) وفضائلهم. بالمناسبة فإن أكثر من مليار مسلم 50 مليون منهم فقط وهابيون. الطريف أيضاً أن أهل السنة مثلنا نحن الشيعة يعارضون الوهابية و التكفير. إن الكثير من فرق أهل السنة لا يعتبرون التبرّك والزيارة والتوسّل شرك و كفر بل إنهم أنفسهم أهل توسل و زيارة.
وصلنا إلى مدينة العشق قبل يوم من الأربعين. جهّزنا موكباً من أجل الإقامة يبعد 4 كيلومتر عن الحرم. بعض أخوتنا قاموا بزيارة الحرم مرتين في يوم وليلة.
الآن كنت قد فهمت أن هذا السفر هو سفر عشق بالنسبة لأخوتنا أهل السنة. وكنت قلقاً من أن يستاءوا من عدم التنظيم أو مصاعب الطريق التي لم تكن في محلّها.
بقينا ليلة في كربلاء. ثم تركنا قلوبنا في كربلاء و انطلقنا نحو بغداد ليذهب أخوتنا أهل السنة إلى زيارة قبر أبو حنيفة و الشيخ عبد القادر الكيلاني.
في طريق الحرم حتى الكراج طلب محمد صالح مني الدعاء من أجل حاجته فقال: لقد نذرت نذراً. قلت أيّ نذر؟ قال: نذرت عند الإمام الحسين(ع) أنه إذا تحقق طلبي أن آتي مرة ثانية مع عائلتي لزيارة كربلاء. الآن أنا جالس في المنزل. بيدي قلم و ورقة. إنني أكتب النصائح التي كنت ذكرتها لمحمد صالح لأرسلها له بالبريد. بعد عدة أيام قال لي على الهاتف: إذا أتيت إلى كلالة فعليك المجيء إلى منزلي. أخبرني بالتأكيد.