للأسف فإن الغرب بخبرته التي امتلكها في حرف الموجة الأولى من الصحوة الإسلامية قد استطاع أن يتحكم بمقدّرات الشباب في أفغانستان، قد استطاع مرة ثانية في الموجة الثانية من الصحوة الإسلامية و بجرّ الحرب إلى سورية وخلق فتنة داعش أن يصل إلى أهدافه المشؤومة. لقد استخدم في هذه الفتنة إمكانية الإختلافات الدينية.
يوجد موضوع في المنطق يقول أنّ القضايا البديهية قابلة للتصديق بمجرد تصوّرها. يعني يكفي أن يستطيع المرء فهم الموضوع. فهم الموضوع يساوي الحكم فيما يخص هذا الموضوع. كما أن تيار الوحدة و التقريب من هذا النوع من المواضيع البديهية بحيث أنّ مجرد التصوّر يؤدي إلى التصديق، يعني يكفي أن يتأمّل الشخص قليلاً في ضرورة الوحدة وتجنّب التفرقة. بالتأكيد فإن النتيجة التي ستحصل من هذا التأمّل ستكون ضرورة الوحدة. مع أن وحدة العالم الإسلامي كانت ضرورية دائماً إلّا أن هذه الضرورة التي لا يمكن إنكارها تترك أحياناً تأثيراً أكثر جدية على حياة المسلمين، واليوم هو أحد تلك الأوقات التي تكون فيها ضرورة الوحدة أكثر جدية. وكما يقول قائد الثورة فإن المنعطف التاريخي الذي يمرّ به المسلمون مرهون بكيفية العبور من هذه العقبة الهامة والإستراتيجية.
ناقشنا هذا الموضوع الهام مع السيدة فروز رجائي التي تتمتع بخبرة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود ومن الطلاب التابعين لخط الإمام والتي لعبت دوراً هاماً في اقتحام وكر التجسس الأمريكي وفيما يلي سنتابع نص الحوار.
هل الوحدة مطروحة بمثابة هدف إسلامي بين الحكومات الإسلامية؟
لقد شهدنا بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية تشكّل الحكومات الوطنية. ففي الدول التي ضمت أغلبية من أهل السنة كان هناك حكومة سنية وفي الدول التي كان الشيعة فيها أكثر كانت الحكومات شيعية. وفي تلك المرحلة لم تكن الحكومات تسعى لطرح المواضيع الوحدوية والتقريبية بهدف المحافظة على وحدة أراضيها واستقلالها. لكن بعد حوالي 60 عام من انهيار الحكومة العثمانية وقعت الثورة الإسلامية في إيران وبعد انتصار الثورة تمّ طرح وحدة العالم الإسلامي بشكل جدي كواحدة من القيم الفكرية و الغائية للإمام(ره). لم يقل الإمام في وقت من الأوقات أن الثورة الإسلامية كانت ثورة شيعية بل كان يتحدث دائماً عن مدرسة الإسلام. لقد كان الإمام ملتزماً بالضرورات النظرية والعملية للوحدة الإسلامية بشكل كامل ولم يكن هذا الإلتزام مطروحاً من قبل الإمام بشكل تكتيكي أو مصنوعي، بل إن الوحدة الواقعية هي التي كان الإمام يعنيها. لم يكن يعتبر أبداً أنّ جمهوره هم الشيعة فقط وهذا واضح في أدبيات الإمام.
الوحدة إحدى أصول المنظومة النظرية لسماحة الإمام وإذا انفصلنا عن المنظومة الفكرية للإمام فلن نتمكن من إدراك ضرورة الوحدة كما ينبغي أن نراها. قبل الإمام كان هناك علماء بين الشيعة وأهل السنّة لديهم فكر وحدوي و تقريبي إلّا أنّ تأثير الفكر الوحدوي لسماحة الإمام مختلف بشكل كامل ودليل ذلك الجوانب الخاصة لفكر الإمام.
هل هذه الفرصة التي وجدت بواسطة الثورة الإسلامية تم استخدامها في سياق وحدة المسلمين؟
لقد خلقت الثورة الإسلامية في الموجة الأولى للصحوة الإسلامية فرص كبيرة للغاية، كما خلقت رغبة كبيرة لدى المسلمين من أجل التخلص من حكم القوى الكبرى وتجاوز العوائق التي تكبّل المسلمين وتقسّمهم إلى شعوب مختلفة.
يعتبر المسلمون أن نموذج الثورة الإسلامية الإيرانية هو نموذج جيد لاستعادة حقوقهم الإجتماعية والسياسية. لكن في العمل فإن الفرص العظيمة التي تشكلت في العالم الإسلامي بعد الثورة الإسلامية الإيرانية قد تمّ إنفاقها على الجهاد في أفغانستان بعد هجوم الإتحاد السوفييتي السابق على أفغانستان. بعد الحركة الإسلامية الكبرى التي بدأت في إيران بقيادة الإمام الخميني(ره) خلقت لدى العديد من الشباب هذا الدافع وهو أن يقدّموا خدمة للإسلام لكنّ هؤلاء الشباب قد ذهبوا على شكل مجاهدين إلى أفغانستان من أجل محاربة الإتحاد السوفييتي الضي كان قد هاجم أفغانستان. في الواقع كان وراء تلك المواجهة بين روسيا و أفغانستان أمريكا التي استوعبت المشهد. فقد كانت تلك المواجهة تحمل مصلحتين لأمريكا الأولى هي أن الجذوة والدافع الذي تولّد في إيران لدى الشباب المسلم بواسطة الثورة الإسلامية قد خمدت بواسطة التشجيع على الجهاد في أفغانستان، وثانياً تم تصفية الحسابات بين أمريكا والإتحاد السوفييتي بواسطة أولئك الشباب حيث استفادت من تلك الحالة من أجل قمع منافسها التقليدي يعني الإتحاد السوفييتي. وللأسف فإن القدرة و الطاقة التي خلقها انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في الشباب المسلم قد انحرفت بهذه الطريقة. بالطبع بعد الثورة الإسلامية قويت حركة المقاومة بشكل كبير لأن الثورة الإسلامية الإيرانية كانت في سياق تعزيز المقاومة و كانت واحدة من الكلمات الرئيسية لأدبيات الإمام في موضوع المقاومة.
ما هو تحليلك للأحداث التي حصلت خلال السنوات الأخيرة الماضية في العالم الإسلامي يعني سورية والعراق؟
بعد أن أدّت حرب الإتحادد السوفييتي في أفغانستان إلى انهيار معسكر السوفييت عاد أولئك الشباب الذين كانوا قد حاربوا لعدة سنوات وكانوا مسلمين أصوليين إلى بلدانه. لكنهم رأوا أنّهم لا يستطيعون تحمّل حكوماتهم. من جهة أخرى وبعد مرور ثلاثين عام على الثورة الإيرانية وبعد مشاهدتهم للتطور الذي وصلت إليه إيران، والذي تحقق عن طريق الثورة الإسلامية اعتبروا أنّ الغرب والإستكبار هما المسببان لتخلّف و تراجع بلدانهم ولهذا السبب تشكلت الموجة الثانية من الصحوة الإسلامية. للأسف فإن الغرب بخبرته التي امتلكها في حرف الموجة الأولى من الصحوة الإسلامية قد استطاع أن يتحكم بمقدّرات الشباب في أفغانستان، قد استطاع مرة ثانية في الموجة الثانية من الصحوة الإسلامية و بجرّ الحرب إلى سورية وخلق فتنة داعش أن يصل إلى أهدافه المشؤومة. لقد استخدم في هذه الفتنة إمكانية الإختلافات الدينية. كذلك قام بتقديم داعش على أنها ممثل الإسلام السياسي في العالم ليقوم بتشويه صورة الإسلام السياسي وعزله نهائياً. كما أنّ داعش قد نزلت إلى الساحة بعنوان دولة إسلامية و تسببت بأعمالها غير الإنسانية و العنف الذي تستخدمه بنشر تقرير عن الإسلام السياسي مفاده أن الإسلام السياسي معناه العنف والقتل والتوحش والإبادة.
من الدسائس الدائمة للعدو موضوع التفرقة والطائفية، فكيف كانت طريقة استعمال هذه الدسيسة بعد الثورة الإسلامية؟
لقد استخدم العدو مشروع الطائفية في الأساس من أجل مواجهة الفكر الوحدوي للإمام والثورة الإسلامية ليوقع كلا الطرفين الذين يملكان أفكاراً متطرف ببعضهما لإبطال أثر القدرة التي تكونت في الثورة الإسلامية. لكن يجب على الطرفين أن يعلموا أن نتيجة الظائفية ستكون لمصلحة القوى الكبرى في العالم.
برأيك ما الذي ينبغي فعله في الظروف الراهنة التي يمرّ بها العالم الإسلامي من أجل الوحدة والتحرر من الظائفية؟
لدينا في العالم الإسلامي نوعان من الجيرة. الأولى جيرة عقائدية والثانية جيرة جغرافية، إنني لا أستخدم تعبير الشيعي والسني بل أقول الجيرة، هذه الجيرة التي تسبب في أن نمتلك مقومات من اجل التعاون الجغرافي والعقائدي والذي يحمل للجميع آثاراً إيجابية اقتصادية و أمنية واجتماعية. وفي مقابل هذه المقومات من أجل التعاون يوجد تهديد أيضاً و هو موجود على شكل حدود وطنية و عقائدية وهذا المكوّن سيكون سبباً للصراع أيضاً. لكن علينا جميعاً أن نتيقّظ و نعترف بمصالح بعضنا البعض بشكل رسمي وأن نأخذ الإختلافات بعين الإعتبار وأن لا نفكر أبداً بإلغاء بعضنا البعض.
الوحدة على أساس المشتركات و مشتركاتنا كثيرة للغاية وأكبر من اختلافاتنا. مثلاً كلا الطرفين يعتبران التوحيد بمثابة أصل أساسي من أصول الدين و هذا التوحيد مشترك لدى الطرفين، لذلك يجب أن نؤكد على المشتركات. كذلك يجب أن نسعى لتجنّب التفسيرات الموجبة للفرقة التي تؤدي إلى التفرقة بين المسلمين. هذه القراءات الموجبة للإختلاف تظهر في المناسبات المختلفة فعلينا أن لا نجعل نطاق تلك القراءات تتوسع. من الامور الأخرى التي تدفعنا نحو الوحدة الأخذ بعين الإعتبار مصلحة الطرفين. من المصلحة الفردية والإجتماعية حتى المصالح الدولية للمسلمين، وهذا يستدعي أن نتابع موضوع الوحدة بشكل جدّي. من أساليب وحدة المسلمين التي يحتاج إليها جميع المسلمين اليوم هي التآزر. فمثلاً في قضية فلسطين إذا دخلت إيران على الخط فقط فإن لها تأثير، لكن إذا كان هناك دولة عربية مع إيران في هذا الموضوع فإن تأثير عملهم سيكون عدة أضعاف وهذه الأمور يمكن الحصول عليها عن طريق النهج الوحدوي والتقريبي.
الوحدة هي مفتاح جميع مشاكل العالم الإسلامي وجميع أعلام العالم الإسلامي يعترفون بذلك. وفي المقابل فإن أي اختلاف و انقسام وطائفية يسهّل من مهمة العدو. وهذه الطائفية مرفوضة مهما يكن مصدرها حتى لو كان مرجع تقليد. إن الوضع الفعلي المؤسف للعالم الإسلامي والذي يؤلم قلب كل مسلم هو نتيجة الإنقسامات الطائفية. وهي قضية دخيلة بالكامل و فتنة من قبل الغرب والإستكبار وأفضل طريقة لإحباط تلك المؤامرة و الفتنة تجنّب الخلاف والإنقسام وحماية الوحدة والتقريب.
حوار محمد هادي كاظمي