من الإنحرافات الدعوية لرجال الدين الشيعة في مواجهتهم لأهل السنة هي أن الكثير من دعاة
الشيعة و بدل نقل معارف أهل البيت-عليهم السلام-و نشر تلك الأفكار الإلهية فإنهم يفكرون في
التشييع، بعبارة أكثر صراحة تغيير مسار و مذهب أهل السنة، يعني هم يريدون فقط أن
يقوموا بتغيير مسار بعض الأشخاص و يطلقون على أنفسهم اسم الشيعة. هذا الموضوع الذي
يتحدث عنه بعض رجال الدين الشيعة بكل وضوح و بالطبع هناك في هذا المجال مجموعة
بالرغم من أنها لا تتحدث صراحة عن تغيير مذهب أهل السنة لكنها تتحدث و تتصرف
بطريقة يظهر منها أن الهدف من تعاملهم مع أهل السنة هو تغيير مذهبهم.
مهما يكن هذا النوع من التعامل مع أهل السنة إلا أنه لن يكون في مصلحة الشيعة بل إنه
يعتبر عائق جدّي في انتقال معارف أهل البيت-عليهم السلام-. لأنه و بالرغم من أنه من
الممكن أن يقوم أشخاص بتغيير عنوان مسارهم و عقيدتهم و يقوموا بوضع اسم الشيعة على
أنفسهم، و لكن بشكل عام فإن هذا النوع من التعامل مع أهل السنة إضافة إلى كونه يزيد من
سوء ظنهم بالنسبة للشيعة و خاصة علماء الشيعة، فإنه يذكي تعصباتهم الدينية كما يخلق هوّة
من نوع الجمود و التعصب بين المذاهب الإسلامية. و بهذه الطريقة فإن العديد من علماء أهل
السنة من أجل منع هذا النفوذ المنظّم للتشيع يقومون بتكفير الشيعة و يطلقون حركات مناوئة
لهم، بديهي أنه بالرغم من كون هذا العمل في نفسه عمل خاطيء إلا أنه ردة فعل تجاه الدعوة
الغير مناسبة لرجال الدين الشيعة.
لا تقيّدوا عالم التشيع!
بعبارة أخرى فإن التعامل الغير صحيح لبعض رجال الدين الشيعة مع أهل السنة يؤدي إلى أن
يبقى التشيع محدوداًو مقيداً في الإطار الذي بناه لنفسه. بالرغم من أنه اليوم تواجه معظم
فعاليات الشيعة قيوداً كثيرة و أن نشر و توزيع كتب علماء الشيعة قد تم منعه فإن السبب و بلا
شك وراء ذلك المنع هو طريقة الدعوة الخاطئة لرجال الدين الشيعة و تعاملهم الخاطيء مع
أهل السنة.
كل هذه الأمور في الوقت الذي لم يكن الأئمة الأطهار-عليهم السلام-في أي وقت من الأوقات
يسعون لتغيير عنوان مسار و عقائد المسلمين، بل كانوا دائما ينقلون و ينشرون معارفهم،
يقومون بشرح خطوط الإنحراف و يبينون لهم طريق الحق الواضح و السبب في ذلك أن
دعوتهم عليهم السلام لم تكن دعوة لأنفسهم بل كانت دعوة نحو الحق و الحقيقة حيث كانوا هم
الطريق للوصول إلى ذلك. و الدليل على هذا الكلام أنه خلال حياة الأئمة الأطهار-عليهم
السلام- كان العديد من علماء أهل السنة مجالسين و مصاحبين لهم و كانوا يظهرون لهم دائماً
محبتهم و إعجابهم بهم. حتى أنهم كانوا يعلنون أحياناً خضوعهم بالنسبة لأهل البيت-عليهم
السلام-، لكن لم يشاهد في أية حالة أن الأئمة الأطهار-عليهم السلام- كانوا يريدون تغيير
عنوان مسار المسلمين بل المهم لدى أهل البيت-عليهم السلام-هو تعريف الناس بالحق و
الباطل، إن إطلاعهم على ذلك يمكن أن يفرض عليهم اختيار طريق الحق الذي تم تحديده من
قبل هؤلاء العظماء. كما يقول عبد السلام الهروي: سمعت عن الإمام الرضا-عليه السلام- أنه
كان يقول: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا»
فقلت: «وَ كَيْفَ يُحْيِي أَمْرَكُمْ؟
فقال: «يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا.1»
كذلك قال الإمام الصادق-عليه السلام- في رواية أخرى: :«رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَ لَم
يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ وَ ايْمُ اللَّهِ لَوْ يَرْوُونَ مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَكَانُوا أَعَزَّ وَ لَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ
بِشَيْء2»3
الدعوة إلى الشيعة بالجدل و النقاش غير ممكنة
نعم و على عكس ما يظن بعض الشيعة فإن الدعوة إلى الشيعة لا تتم عن طريق الجدل و
النقاش، لقد كان أهل البيت-عليهم السلام- يعتبرون أن نشر و شرح محكمات و محاسن كلامهم
هو العامل الأساسي لنشر معارف الشيعة و جذب المسلمين إلى تلك المدرسة. إن الأحاديث
الواردة عن أهل البيت-عليهم السلام- في هذا المجال كثيرة جداً لكن يمكن أن نلمس الروح
السائدة على جميع تلك الأحاديث من خلال هذا الكلام الحكيم للإمام جعفر الصادق-عليه
السلام-: « فَلَا تَخْرَقُوا بِهِمْ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ إِمَارَةَ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَتْ بِالسَّيْفِ وَ الْعَسْفِ وَ الْجَوْرِ وَ
أَنَّ إِمَارَتَنَا بِالرِّفْقِ وَ التَّأَلُّفِ وَ الْوَقَارِ وَ التَّقِيَّةِ وَ حُسْنِ الْخُلْطَةِ وَ الْوَرَعِ وَ الِاجْتِهَادِ؟! فَرَغِّبُوا
النَّاسَ فِي دِينِكُمْ وَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيه4»
طبعاً و كما بيّنا فإن السيرة العملية و السلوكية لأئمة الشيعة أيضاص في هذا المجال هي
أفضل نموذج و قدوة للشيعة، السلوك الذي كان يجعل العديد من علماء أهل السنة أن يتتلمذوا
على أيديهم. بالتأكيد فإن الإمامة ليست مذهب خاص، كان هناك مثل مذهب الشيعة الإمامية و
في الوقت نفسه كان مرغوبا و محبوباً لدى أتباع المذاهب الأخرى، إن المداراة العميقة و
الواسعة في السلوك العملي يستدعي لفت انتباه و اهتمام المعارضين؛ لأن أدنى تعامل حاد و
إساءة ستؤدي إلى الكراهية و الإبتعاد عنهم
المصادر:
[1]. الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص275 و معاني الأخبار، ص180 و
مصادقة الإخوان، ص36 و الشيخ حر العاملي، وسائل الشيعة، ج27، ص92 و بحار
الانوار، ج2، ص30 و السيد حسين بروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج1، ص238.
[2]. علي بن بابويه، فقه الرضا، ص356؛ الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص229؛ علي بن
حسن بن فضل الطبرسي، مشكاة الانوار في غرر الاخبار، ص317 و بحار الانوار، ج75،
ص348. (سند هذا الحديث صحيح. حميد بن زياد عن الحسن بن محمد عن وهيب بن حفص
[3]. هناك العديد من الأحاديث بهذا المحتوى عن الأئمة الأطهار-عليهم السلام- فقد نقل عن
الإمام الصادق - عليه السلام – أنه قال: رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً اجْتَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَى نَفْسِهِ فَحَدَّثَهُمْ بِمَا
يَعْرِفُونَ وَ تَرَكَ مَا يُنْكِرُون؛ انظر: الشيخ الصدوق، الخصال، ص25؛ حسن بن سليمان
الحلي، مختصر بصائر الدرجات، ص101؛ القاضي نعمان المغربي، شرح الأخبار، ج3،
[4]. الشيخ الصدوق، خصال، ص354 و الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج16،
عن أبي بصير)
ص590 و السيدحسين البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص535.
ص164.