للأسف فإننا نخلط السلفية بمفهوم تأويل النص. يعني أننا نظن أن كل شخص يقول بالرجوع إلى النصوص الأصلية يكتفي بالضرورة في مجال الإستنتاج بظواهر النصوص أيضاً. لكن الحقيقة هي أنهما مختلفين عن بعضهما. يمكن أن يكون هناك أحداث تاريخية قد امتلكت الإثنين معاً من حيث المصداق. على مدى التاريخ كان مصاديق هذين الإثنين قريبان من بعضهما أو تلاقوا فيما بينهما. يعني كلما كان التيار أكثر سلفية كلما تحرك نحو التعصب والتمسك بالنص. لكن في العهد الجديد ليس الأمر كذلك. المثال الواضح على ذلك هو القرضاوي نفسه والتيار الذي نسميه السلفية المعاصرة.
إن مراجعة أفكار يوسف القرضاوي هو موضوع إن لم نقل لم يتم التطرق له فقد تم تناوله بشكل قليل.
كما أن الأساتذة الذين عملوا في هذا المجال قليلون ويعدّون على الأصابع. حميد عظيمي من الباحثين الشباب الذين يبحثون في مجال المفكرين المسلمين المعاصرين. لقد عمل بشكل تخصصي على أفكار يوسف القرضاوي واستجاب لطلبنا في إجراء لقاء معه. لقد أشار في حديثه معنا إلى نقاط مثيرة على عكس لكثير من الأمور المشهورة. ننصحكم أن لا تفوتوا تلك المقابلة من بين أيديكم.
هل تعتبر القرضاوي سلفياً؟
إن نسبة القرضاوي مع السلفية موضوع هام. إحدى النقاط المثيرة عند القرضاوي أنه يظهر لنا أننا نوعاً ما لم نفهم مفهوم السلفية بشكل جيد. برأيي فإن القرضاوي هو حقاً سلفي بالمعنى التقني والتاريخي للكلمة. الشيء الذي يوجد عليه إجماع حول معنى السلفية هو العودة إلى النصوص الأصلية للدين. يعني تشكل تيار كان يعتقد أن الآثار الكلامية والفلسفية والفقهية التي تكونت في القرن الثاني والثالث فما بعد ليس لها مكان في النصوص الأصلية القديمة للدين. لذلك لاينبغي جعل تلك الأعمال مصدراً لفهم الدين، لأنها تؤدي إلى فقدان الدين لهويته. في الواقع السلفية هي حركة «الدين الخالص» وهي تقريباً مثل المتشددين في المسيحية.
لذلك فإنهم يعتبرون المرجع الرئيسي لفهم الدين هو فهم الأشخاص الذين كانوا يعيشون في صدر الإسلام حتى تاريخ 150 هجري تقريباً. يعني فهم السلف أفضل من فهم الخلف.
بهذا المعنى للسلفية فإن القرضاوي سلفي بشكل واضح. على سبيل المثال مع أنه أزهري كامل إلا أنه يشكل على نصوص الأزهر ويقول أنتم تضعون القرآن والحديث جانباً وتأخذون بأقوال الفقهاء الأكثر تأخراً. هذا هو نفس الكلام الذي كان السلفيون يقولونه للتقليديين.
للأسف فإننا نخلط السلفية بمفهوم تأويل النص. يعني أننا نظن أن كل شخص يقول بالرجوع إلى النصوص الأصلية يكتفي بالضرورة في مجال الإستنتاج بظواهر النصوص أيضاً. لكن الحقيقة هي أنهما مختلفين عن بعضهما. يمكن أن يكون هناك أحداث تاريخية قد امتلكت الإثنين معاً من حيث المصداق. على مدى التاريخ كان مصاديق هذين الإثنين قريبان من بعضهما أو تلاقوا فيما بينهما. يعني كلما كان التيار أكثر سلفية كلما تحرك نحو التعصب والتمسك بالنص. لكن في العهد الجديد ليس الأمر كذلك. المثال الواضح على ذلك هو القرضاوي نفسه والتيار الذي نسميه السلفية المعاصرة. يعني تقرير عبده و رشيد رضا والآخرين عن السلفية. لقد كانوا يحبون ابن تيميه والسلفية لكنّ تقريرهم هو أنه ينبغي الرجوع إلى النصوص الأصيلة ولكن ليس بمعنى أن نتقيد بظاهر تلك النصوص. هذا التيار أكثر مرونة حتى من الحركات التقليدية في الإستنتاج من النص و تفسيره و تكيفه مع ظروف الزمان والمكان. لذلك فإن السلفية المعاصرة لا علاقة لها بالشكلية. مثلاً في فقه القرضاوي توجد الغائية بشكل كبير.
تعتبر الحركة السلفية مفاهيم مثل «الإجتهاد» و التي طرحها ابن تيمية هي سبيل نجاة الأمة الإسلامية من مشاكلها. فهم يقولون إذا لم نرجع إلى النصوص الأصلية فإننا لن نستطيع فهم الدين بما يتطابق مع ظروف العصر الحديث. يعني كان دافعهم الرئيسي في فهم السلف التكيّف مع العصر الحديث. إنهم يرون الحل لتراجع الأمة الإسلامية هو العودة إلى فهم السلف الصالح والنصوص الأصلية للدين.
هناك فرق بين «العودة إلى النصوص الرئيسية» و «العودة إلى فهم السلف لتلك النصوص». في أعمال القرضاوي تشاهد ضرورة العودة إلى النصوص الأصلية للدين. لكن هل يوجد فيها ضرورة العودة إلى فهم السلف الصالح لتلك النصوص؟
نعم. من الظواهر التي كانت موجودة في صدر الإسلام حركة العمل بالرأي التي تم طرحها بشكل جدي اقتداءاً بالخليفة الثاني. لقد كان يقول بشكل صريح أن تفسيرنا خارج النص. إننا نقوم باستخراج رأينا من ذلك النص. يعني جذور التفسير المرن للنصوص موجود أيضاً في سيرة السلف. السلفيون المعاصرون يستفيدون قليلاً من ذلك الموضوع كما كانوا يستخدمون هذا الموضوع بحيث يقولون أن مقداراً من فهم السلف قد دخل النصوص أيضاً كما أن فهم ذلك لا ينفصل عن النصوص. معظم أهل السنة يعتبرون أن سيرة الصحابة تمتلك حجية. لذلك لا يوجد حد بين النص و تفسير الصحابة.
ومع ذلك فإن القرضاوي نفسه يصرّح في بعض الاماكن أنه يجب أخذ «نموذج تفسير لسلف» و ليس نفس تفسير السلف.مثلاً كيف كان الصحابة في ظروف فتوحات صدر الإسلام يكيّفون سيرة الرسول مع الظروف الجديدة. مثل أن نقول تمسكوا بأصول الفقه لا أن نقول ماذا يقول نص الفقه نفسه.
في مجال النظرية السياسية فإن الشيء الذي يحدده القرضاوي هو نوع من «الديمقراطية الإسلامية». تفضل وأخبرنا ما هو مضمون هذه النظرية وما هو وجه التشابه والإختلاف بين تلك النظرية و ما نعرفه في إيران باسم «الديمقراطية الدينية»؟
مشكلة خطاب القرضاوي و زملائه حول نموذج الحكومة الإسلامية هو أن ذلك النموذج مشوه وغامض. مازال لديّ شك في أنه هل يمكن أن نطلق على ما يشرحه القرضاوي اسم «نظريه» أم لا. هناك نظرية تقول أنه كلما أصبحت الظروف أكثر صعوبة في تعبير الأخوان عن نظرتهم الأصيلة تجاه الحكم كلما ذهبوا بالتدريج نحو نظرة المجتمع المدني في المدينة. مازال غامضاً بالنسبة للغربيين أيضاً إن كان الأخوان يتجهون حقاً إلى النظر للحكومة نظرة أكثر علمانية و مدنية أم أنهم يظهرون تمايلاً نحو ذلك بحسب المتطلبات و الظروف الموجودة و عندما يصلون إلى السلطة فإنهم سيتّبعون تلك النظرة الأخوانية الأصيلة. لا يمكن القول أنه لا يوجد تغيير بالمطلق. على الأقل لدى الفئة الأكثر شباباً والذين درسوا في أروبا فإن الأجواء قد تغيرت قليلاً. لكن على مستوى القرضاوي الذي يعتبر من مخضرمي الأخوان فإن شعوري أنه لم يحصل أي تغيير أساسي في النظرية السياسية.
كان لدى الأخوان منذ البداية نظرة إيجابية للديمقراطية لكن في ظل آلية الخلافة و جعلها تحت مواضيع مثل البيعة. بالطبع في هذه الحالة فإن جميع أهل السنة يقولون بالديمقراطية.
عندما وقعت السلطة بيد الأخوان في مصر تشكلت عملية ضاقت فيها الأجواء أكثر علي النهج المدني وظهرت فيها بشكل أكبر المؤسسات الناطقة باسم الشريعة. حتي في أحد النصوص السياسية للأخوان تم إدخال شيء شبيه بمجلس صيانة الدستور لدينا من أجل الحكومة الأخوانية. يعني بدأت العملية تعود نحو النظرات الأخوانية السابقة والأصيلة.
هناك اصطلاح موجود في دراسات علم الأخوان لدي الغربيين وهو أنه عليك أن تفصل بين النصوص العربية و النصوص الإنكليزية للأخوان! يعني في هذه الحالة فإنه واضح أن الشيء العربي الذي يكتبونه و يكتبونه من أجل المسلمين مختلف بشكل كامل عمّا يكتبونه باللغة الإنكليزية. بالطبع فإن فقههم أكثر تطلباً من أولئك الذين يتبعون نظرية خاصة للحكومة. فنظرة الأخوان ترتبط كثيراً بمتطلبات الوقت وظروف العصر.
داخل خطاب أهل السنة هل هناك إمكانية موجودة للأخوان وهي أن يذهبوا أبعد من النظريات السياسية القديمة؟ لأنه يبدو أن هناك إحباط موجود يريد من جهة توسيع النهج المدنية و من جهة أخري فإن الخطاب السياسي لأهل السنة بذاته لا يعطي الإذن لهذاالعمل.
بشكل عام يجب أن نفترض أنك لو تركت الأخوان بحيث لم يكن هناك أية ضغوط عليهم، فإن هذه العملية في الأخوان وبشكل طبيعي ستعود إلي نقطتها الأولي. يعني إذا لم يكن الأخوان قلقون من العواقب التي ستلي حكومتهم فإنهم سيعودون إلي نظريتهم الأولي تلك. هذا هواستنتاجي.
يصف الأخوان خطابهم بعبارة «الوسطية». ما هي مكونات هذا الخطاب وما الفرق بين هذا الخطاب وبقية التيارات الحالية في العالم الإسلامي؟
شعار الوسطية هو شيء تم تضليله لدي أهل السنة. من التيارات التقليدية حتي التيارات السلفية كلها تزعم أنها وسطية. لأن الوسطية مفهوم قرآني فإن جميع التيارات تعتبر أنه من المؤسف أن لا ينسبونه إلي أنفسهم! لذلك لا تأخذ هذا التعبير كثيراً علي محمل الجد.
في آثار القرضاوي واحد من المواضيع الكلية هو أنه يقول رأياً ثم يقولالرأي المقابل له ثم يقول لا هذا ولا ذاك ثم يبيّن رأياً بين الإثنين.
بالطبع فإن الأخوان بين التيارات الإسلامية يتخذون موقفاً وسطاً و برأيي فإنه ليس إيديولوجياً كثيراً. السبب في ذلك أن النقطة التي يركز عليها الأخوان هي حل قضايا حضارة العالم الإسلامي. تلك الهواجس منذ زمن عبده و سيد جمال أسد آبادي كانت أن النزاعات الإيديولوجية البحتة ليست بالمهمة كثيراً بل يجب حل قضايا الحضارة. لذلك فإنأفضل حل هو اتخاذ موقف وسطي بين تلك النزاعات. كما أن الإشكالات التي يأخذها السلفيون علي القرضاوي هو أنه في النهاية ليس واضحاً إن كان أشعرياً أم سلفياً. فالأشاعرة يقولون أنه سلفي و السلفيون يقولون أنه أشعري! فالقرضاوي يقف في الصف الذي يقتضيه عليه الموقف. وفي خلاف الصوفية و السلفية كان هكذا أيضاً. ففي بعض الأماكن يمتدح الصوفية وفي بعض الأماكن الأخري يهاجمها.
يعني يريد أن يخلق مصالحة بشأن تلك الخلافات النظرية ليضع تلك الخلافات جانباً و يقترب الجميع من تلك النقطة التي هي تركيز الخطاب الأخواني علي حل مشاكل حضارة الإسلام و إصلاح مشاكل العالم الإسلامي اليوم. كما أن حسن البنا كان بتلك الصفة حيث كان يعلن مواقف في المواضيع النظرية بحيث لا يموت الذئب ولا يفني الغنم.