إن تقديم الوجه الإسلامي لحزب العدالة والتنمية وقبل أن يشير إلى الحقائق فإنه يشير إلى مقالات الصحافة. إننا نشاهد اليوم في تركيا وجود طيف من الصحافة المحافظة التي قام حزب العدالة والتنمية بإيجادها. يتم التأكيد في وسائل الإعلام هذه بشكل مستمر على الشخصية الإسلامية لأردوغان والتعبير عنها. حيث تستخدم عباراته التي تتميز بطابع وصبغة دينية لتكون عنواناً عريضاً أما أخطاؤه فيتم إنكارها بشكل كامل.
رمضان بورسا الكاتب والمحلل التركي المعروف الذي دخل منذ سنين دراسته الثانوية في حركة المرحوم نجم الدين أربكان ليدخل بذلك معترك النشاط السياسي.
-تُعرف حكومة العدالة والتنمية على أنها حكومة إسلامية. فهل ترى أنت ذلك أيضاً وهل تعتبر أن حكومة أردوغان و حزبه هي حكومة إسلامية؟
يجب تقييم حزب العدالة والتنمية الذي تأسس في عام 2001 و في 3 نوفمبر 2003 وصل إلى السلطة بناءاً على مراحله المختلفة. يبدو أنه من غير الممكن اعتبار حزب العدالة والتنمية حزب اسلامي بالمعنى الكامل للكلمة.
يمكن تقسيم مراحل حزب العدالة والتنمية منذ اليوم الأول لوصوله إلى السلطة حتى هذا اليوم إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: حزب يقع في الإطار الحاكم على أحزاب اليمين الوسط في تركيا مثل حزب الوطن الام، حزب الطريق القويم أو الحزب الديمقراطي عدنان مندريس و هو يستفيد من كل فرصة من أجل التعبير عن هذا الموضوع. في تلك المرحلة لم يكن لدى تيار اليسار العلماني الأتاتولكي و كذلك النظام البنكي الربوي أي اعتراض بل كان نظام الإقتصاد الربوي يعتبر حقيقة في العالم.
هذا الإطار لا يمكن اعتباره بالتأكيد إطاراً إسلامياً. في الحقيقة شهدنا في هذه المرحلة إطار يمين و محافظ لهذا الحزب. يجب أن نأخذ بعين الإعتبار أنه يوجد في تركيا فرق جوهري بين الإسلاميين والمحافظين.
الإسلامية بمعنى المواجهة السياسية من أجل السيطرة على القوانين والحقوق الإسلامية في جميع مجالات الحياة. في حال أخذنا هذا التعريف بعين الإعتبار فإن حزب العدالة والتنمية بلا شك لا يمكن أن يكون حزباً إسلامياً.
حتى في الفترة الزمنية من 2001- 2007 فإن حزب العدالة والتنمية قد بدرت منه تصرفات أقرب ما تكون إلى تصرفات حزب يساري/ كمالي منها إلى تصرفات حزب يميني محافظ. لكن يجب أن لا نغفل عن هذه النقطة وهي أنه يجب دراسة هذه التصرفات بشكل منطقي في خضمّ الظروف السياسية التركية في تلك الأيام و موقف الجيش. لكن على أي حال وبشكل كلي فإن سلوك حزب العدالة والتنمية مثل بقية الأحزاب اليمينية تظهر منه سياسة ربوية تتمحور حول الناتو ذات ميول أمريكية و ترغب في زيادة العلاقات مع اسرائيل.
المرحلة الثانية: بعد عام 2007 بدأ حزب العدالة والتنمية بتقديم خطاب يمكن تعريفه أنه في إطار خطاب الإسلامية. خطابات و آراء لم تكن تستخدم قبل ذلك من قبل قادة و مدراء حزب العدالة والتنمية لكنها تستخدم الآن من قبل هؤلاء الأشخاص. مراسم مختلفة كانت تبدأ بشعارات مثل «يا الله بسم الله» و شرائط افتتاح تم قصّها مع قول بسم الله الرحمن الرحيم».
هذه المرحلة التي ترافقت بإعلان التوجهات الإسلامية للحزب وظهورها، دخل فيها أردوغان مرحلة جديدة مع حادثة «فان مينيت». واستمراراً لذلك جاءت حادثة سفينة مافي مرمرة في عام 2010 في المياه الدولية لتزيد من عمق القضية سواء من الناحية النظرية و العملية. تم تخفيض مستوى العلاقات السياسية بين تركيا و اسرائيل إلى القائم بالأعمال من الدرجة الثانية و تحوّل أردوغان و جميع قادة حزب العدالة والتنمية الذين كانوا إلى ما قبل ذلك بقليل يذهبون بشكل مكرر إلى اسرائيل للقاء شيمون بيريز و دعوته إلى تركية و تأمين إمكانية إلقاء كلمة له في المجلس الوطني لذلك البلد و كانوا يقومون بتشجيعه قد تحولوا الآن إلى معارضين لاسرائيل محاولين حصر سلوكهم في هذا الإطار.
في هذه المرحلة أيضاً شهدنا تطور العلاقات مع الدول الإسلامية. في تلك المرحلة أقيمت علاقات قوية للغاية مع سوريا، وارتقت العلاقة مع إيران لتصل إلى أعلى مستوياتها. أعطت تركيا لنفسها دور الوسيط في المواضيع المختلفة الموجودة بين الدول الاسلامية و العالم الإسلامي و وضعت ثقلها لحلها. ذلك الوضع كان بمثابة عملية مفرحة قد بدأت وجذبت الأنظار إليها.
المرحلة الثالثة: هذه المرحلة عبارة عن عملية بدأت مع الربيع العربي و مازالت مستمرة حتى اليوم. في هذه المرحلة أقامت تركيا علاقة عن قرب مع تطورات العالم العربي. بلغت هذه القضية أوجها في حالة مصر و خاصة فيما يتعلق بالموضوع السوري المستمر حتى الآن. قام أردوغان بتقديم دعمه السياسي للثورات الشعبية الموجودة في تونس و بعد ذلك للثورة الشعبية الموجودة في مصر. ترافق انتخاب الأخوان و وصولهم إلى السلطة في مصر و فوز النهضة في تونس بفرح و سرور مسلمي تركيا.
لكن في سورية لم يصبح الوضع مثل مصر و تونس و تحول التشنج الداخلي إلى حرب بالوكالة. في سورية لم يتم الإستفادة من أيّ من الإمكانيات الديبلوماسية و السياسية. كما كشفت الأحداث السورية الوجه الحقيقي للربيع العربي. أظهرت تلك الأحداث آن الربيع العربي كان مجرد دعامة من دعامات مشروع الشرق الآوسط الكبير الذي طرحته أمريكا من أجل المنطقة. في هذا السياق تم عزل الرئيس المصري محمد مرسي بانقلاب عسكري كما انسحب حزب النهضة من السلطة أيضاً.
بعد نهاية تلك العمليات دخل أردوغان و حزب العدالة والتنمية تحت أمره مرحلة و وجهاً جديد وهو «المحافظين المتطرفين».
-هل تنبع السياسات الداخلية و الخارجية لحزب العدالة والتنمية من السنّة الإسلامية لهذا الحزب؟
كما أشرنا في الأعلى فإنه لا يمكن اعتبار حزب العدالة والتنمية بمثابة حزب إسلامي كامل. لقد امتلك هذا الحزب خلال ثلاثة عشر عام من حكمه تدابير و خطابات إسلامية أيضاً وكما قلت فقد دخل في مرحلته الأخيرة في إطار المحافظة المتطرفة. يوجد داخل حزب العدالة والتنمية بعض الآشخاص ومن بينهم أردوغان و أشخاص مثل داوود أوغلو و تعمان كورتولموش لديهم سجل و تاريخ إسلامي. كل هؤلاء الآشخاص كانوا و لسنوات عديدة في خدمة المرحوم نجم الدين أربكان لكنّ هذا لا يعني أنهم اليوم يفكرون ويعملون في إطار ذلك المرحوم.
حتى بعض أعمال حزب العدالة والتنمية في مرحلة إسلاميتهم كانوا يتحدثون عنه و يغتابونه. على سبيل المثال على سبيل المثال تم عرقلة ملف سفينة مافي مرمرة من قبل حزب العدالة والتنمية في وزارة العدل حيث وصل الملف إلى طريق مسدود. لقد منعوا إرسال الملف إلى الشرطة الدولية و المحكمة الدولية. كما أن هذا الحزب يسعى للحيلولة دون إدانة اسرائيل. كذلك تسرّبت و انتشرت أخبار في الشهر الماضي عن حصول لقاءات بين فريدون سينيرلي أوغلو من رؤساء وزارة الخارجية مع مسؤولين اسرائيليين في باريس. في الحقيقة من الواضح أن حزب العدالة و التنمية وشخص أردوغان يسعون لتحسين علاقاتهم باسرائيل. إنهم يحاولون تحقيق ذلك الآمر حتى قبل إغلاق ملف سفينة مرمرة و تحديد عقوبات لذلك.
-يعرف حزب العدالة والتنمية بعنوان حزب يحصل على معظم أصواته من طيف التديّن في المجتمع. ما هو تأثير مرحلة حكم هذا الحزب على المجتمع التركي المتدين؟
إن تقديم الوجه الإسلامي لحزب العدالة والتنمية وقبل أن يشير إلى الحقائق فإنه يشير إلى مقالات الصحافة. إننا نشاهد اليوم في تركيا وجود طيف من الصحافة المحافظة التي قام حزب العدالة والتنمية بإيجادها. يتم التأكيد في وسائل الإعلام هذه بشكل مستمر على الشخصية الإسلامية لأردوغان والتعبير عنها. حيث تستخدم عباراته التي تتميز بطابع وصبغة دينية لتكون عنواناً عريضاً أما أخطاؤه فيتم إنكارها بشكل كامل. للأسف يجب أن نقول أن الوضع المزري الذي تعيشه الصحافة التركية في هذه الفترة يمكن أن يكون موضوع حديث مستقل. لذلك لن أدخل في هذا الموضوع. لكن الصحافة المحافظة بإصرارها و تضخيمها الواضح تحاول أن تطرح شخص أردوغان و كذلك حزب العدالة والتنمية على أنه شخص و حزب إسلامي بالكامل. يجب الإعتراف أن هذه الحملات الدعائية لوسائل الإعلام قد بلغت هدفها المنشود واليوم يعتبر الناس هذا الحزب على أنه حزب إسلامي.
في مرحلة حزب العدالة والتنمية الذي أضفى على نفسه صورة إسلامية عانى المسلمون من الإنحراف. تم تربية جيل شاب محافظ ليس لديه علم لا بتاريخه ولا بقيمه و تم تقديمه على أنه جيل إسلامي. هذا الجيل و للأسف على أثر أحداث سوريا قد دخل في طريق متطرف للغاية.
لقد قام حزب العدالة والتنمية الذي يتظاهر أنه إسلامي بإبعاد الجمعيات، المنظمات و المراكز الدينية الموجودة في المجتمع عن أهدافها الآولية و جعل من سلوكها سياسياً. الجماعات الإسلامية (بطبيعتها ليس جميعها بل معظمها تمتلك مثل هذه الحالة) قد انحرفت عن طريقها السابق و توجهت نحو النشاطات السياسية. إلى قبل هذا كانت تلك الجماعات الإسلامية تخاطب جميع أفراد المجتمع و كانت تعمل معهم، كما أن جميع أفراد المجتمع و بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية كانوا ينظرون إلى تلك الجماعات نظرة احترام إلا أن مثل هذا الوضع لم يعد موجود اليوم حيث ساد طيف التصنيف السياسي.
-كيف هي نوع نظرة حزب العدالة و التنمية لتطورات العالم الإسلامي على أساس مباني ذلك الحزب؟
يجب القول بصراحة و بمنتهى الشفافية أن حزب العدالة والتنمية ينظر إلى التطورات الموجودة في العالم الإسلامي نظرة سياسية بحتة بالكامل و ليس لديها أية نظرة و نهج ديني أو مذهبي للقضايا. مع الأخذ بعين الإعتبار الآخبار والتقارير التي انتشرت في الآونة الأخيرة في وسائل الإعلام التركية ضد إيران و مذهب التشيع يجب القول أنه لا يوجد مشكلة وجودية مع هذين الموضوعين. أهم مؤشر لهذه القضية يمكن أن نجده في معارضة تركية للعضوية في المعسكر السنّي الذي تحاول السعودية إيجاده ضد إيران.
لكن يجب القول أن بعض الأسماء والشخصيات الهامة الموجودة في الأجواء الإعلامية التركية لديها علاقة واضحة و لصيقة مع مركز الفتنة الذي تقوم السعودية بدعمه مالياً وهم متواجدون في مدينة أبوطبي في الإمارات العربية المتحدة.
اليوم نرى أن وسائل الإعلام التركية المحافظة تشهد في دهاليزها وجود بعض الأشخاص المتطرفين أو بعض الآشخاص الذين أصبحوا متطرفين فيما بعد. هؤلاء الأشخاص و من خلال التجييش و بث الشائعات في أجوائهم الخبرية يؤثرون على حزب العدالة والتنمية و على الحكومة التركية. حتى في داخل حزب العدالة والتنمية أيضاً هناك مجموعة من الأشخاص و المسؤولين يظهرون عدم رضاهم عن التلفيقات الخبرية لمثل هذه الحركات. أنا أعتقد أن هذا الوضع بلا شك لن يكون له إمكانية الإستمرار في مثل هذه الظروف و سيتوقف بالتأكيد.
بعض هؤلاء الأشخاص والأقلام المأجورة أيضاً هم منتج لمشروع Rand Corporation الأمريكي. هؤلاء الأشخاص لا يمتلكون حتى سابقة إسلامية كما أن أعمالهم و كتاباتهم تتعلق بخدمات و أهداف خاصة تملى عليهم.
-هل يتجه حزب العدالة والتنمية نحو التطرف؟ هل فتح الساحة أمام نشاط التيارات السياسية هو عمل سياسي أم أنه يمتلك عقبة إيديولوجية أيضاً؟
إن حزب العدالة والتنمية بسبب البناء الفكري لمدرائه لا يمكن أن يمتلك نظرة إيجابية و حارة للنشاطات السلفية والوهابية. في تركية أيضاً و مثل بقية نقاط العالم الآخرى ومن بينها مناطق مثل منطقة البلقان و منطقة القفقاز يتم الدعم المالي للحركة الوهابية و الدعاية التابعة لها من قبل الحكومة السعودية بشكل ملحوظ. لكن في السنوات الآخيرة تحولت إمكانية النشاط العلني و الواسع لهذه الحركات السلفية- الوهابية في تركيا إلى واحدة من التهديدات للبلاد. لكن هذا ليس معناه أن حزب العدالة و التنمية لديه الرغبة بهذه التيارات بل ربما يمكن القول أنه بسبب الإهمال في التصدي لنشاطات هذه المجموعات و التغاضي عن نشاطاتها بينما يمتلك السلطة التنفيذية في البلاد قد جعله في مظان الإتهام.
إن التقارب الذي حصل بين تركيا و المملكة العربية السعودية ليس إيديولوجياً بأي شكل من الأشكال و هو فقط تابع للمصالح السياسية. أستطيع أن أبيّن ذلك بسهولة أن السلوك المتطرف لحزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة خاصة فيما يخص الموضوع السوري لا يمتلك أي أساس مذهبي في الأساس وهو مجرد عمل سياسي. كذلك شهدنا خلال الأسابيع الأخيرة تغييرات ملفتة في سياسات حزب العدالة والتنمية تجاه سورية.