من أجل مواجهة الوهابية فلا بدّ أولاً من معرفتها. معرفة علمية وبعيدة عن ما تحيكه بعض وسائل الإعلام. من بين هذا العدد الكبير من الأشخاص الذين يتحدثون دائماً عن الوهابية هناك للأسف عدد قليل قد عرفوا الوهابية بشكل واقعي. حجة الإسلام مهدي فرمانيان رئيس جامعة المذاهب الإسلامية واحد من أولئك الأشخاص القلائل. لديه معرفة كاملة بالمذاهب والفرق الإسلامية. وسنطالع فيما يأتي الحوار الذي أجريناه معه حول المشتركات والإختلافات بين أهل السنة و الوهابية و طرق مواجهة الوهابية.
-ربما تعرفون سماحتكم أكثر من أي شخص آخر أنه في الوقت الحالي وبسبب ظروف المنطقة والعالم الإسلامي والتهديدات التي تهدد المسلمين من قبل التيارات التكفيرية، فإن هناك العديد من المجموعات والمؤسسات تعمل في مجال معرفة الوهابية ونقد الوهابية ومن جهة أخرى فإنه من المشاكل التي تواجه وسائل الإعلام هي طريقة تناول هذا الموضوع، حبذا لو تقدّم لنا عرضاً مختصراً عن طريقة الدخول في هذا المجال.
فيما يخص موضوع نقد الوهابية فقد تم تشكيل مراكز عديدة كما تم تأليف كتب عديدة ...لكنّ أهمّ المتطلبات الموجودة في هذا المجال:
1.أن يكون لدينا معرفة صحيحة بمشتركات واختلافات أهل السنّة مع الوهابية، إذا أراد شخص العمل في مجال الوهابية فعليه أن يعلم أن الوهابية هي فرع من السلفية كما أن السلفية مأخوذة من فكر أصحاب احديث وفكر أصحاب الحديث هو تيار فكري هام للغاية لدى أهل السنة.
2.فمن جهة لدى الوهابية في العديد من عقائدها مشتركات مع أهل السنّة أو لديهم اختلاف في تفسير تلك العقائد. مثال ذلك في موضوع التشبيه والتنزيه فأهل السنة والوهابية كليهما قائل برؤية الله في يوم القيامة. لكنّ التفسير الذي يقدّمه الأشاعرة والماتريدية يختلف عن التفسير الذي تقدمه الوهابية. وفي موضوع خلق الأفعال الإلهية والجبر والإختيار فإن هذه الموضوع مطروح أيضاً. لكن في المواضيع التي تشكل أساس الإختلاف بين الشيعة والسنّة مثل بحث الإمامة فإنهما قريبان من بعضهما كثيراً.
أبو الحسن الأشعري واحد من علماء الكلام الكبار لدى أهل السنة حيث أنّ معظم الشافعيين والمالكيين يتبعونه في عقائدهم. كما أن الماتريدي هو عالم كلام كبير لدى أهل السنة أيضاً حيث يتبعه الحنفيون. لكنّ الوهابيون يعتبرون أن تقليد الإثنين حرام بل أكثر من ذلك فهم يخالفون عقائدهم كما ألّفوا كتباً في الرد عليهم وفي تكفيرهم.
ثم وبهذه الذريعة قد اعتبروا جميع المسلمين و أتباعهم أهل بدعة وخارجين عن الإسلام وقاموا بتكفيرهم. بالطبع فإن الوهابيون يعتبرون حتى الحنابلة الذين معظمهم أهل حديث على أنهم أهل بدعة وكافرون. كما يعتبر الوهابيون أن تقليد أبو حنيفة، مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل في الفقه حرام وهذه هي نقطة اختلاف الوهابية عن أهل السنة. يعني أن أهل السنة يقيدون أنفسهم بتقليد واحد من الأئمة الأربعة في الفقه ولكن الوهابيين لا يعتقدون بالتقليد. هذه الإختلافات التي تؤدي إلى تكفير أهل السنة هي اختلافات كبيرة.
كما انّ انتقادات الوهابية لأبو حنيفة والشافعي وبقية العلماء الآخرين الذين يحظون باحترام أهل السنة كانت السبب في ابتعادهم أكثر عن الوهابية.
إذا لم نعرفهم فإننا لم نعرف أهل السنة وإذا لم نعلم الإشتراكات والإختلافات نكون قد لعبنا في أرض الوهابية بالضبط! لماذا؟ لأنه بدل وضع اليد على اختلافات أهل السنة والوهابية فإننا نكون قد نقدنا الكثير من المفاهيم المشتركة بين المذاهب والتي يتطابق فيها جميع أهل السنة مع جميع اختلافاتهم باسم الوهابية.
أول نتيجة لهذا العمل هو أننا نكون قد أفهمنا أهل السنّة أنكم مشتركون في هذا المجال مع الوهابية، على الرغم من انكم أنفسكم لا تعرفون!النتيجة الثانية لذلك أن يقولوا: تريد الشيعة مهاجمة أهل السنة لكن بما أنهم لم يقدروا على ذلك فإنهم يقمعون أهل السنة الآن باسم الوهابية. هذا مشاكلنا في مجال نقد الوهابية...من الإذاعة والتلفزيون وقنواتنا الفضائية حتى الكتب والكتب المدرسية والكثير من الحالات المشابهة.
وأحياناً أسوأ من ذلك حيث ندخل في قضايا تبعث على الإختلاف بين الشيعة والسنّة ونريد أن ننتقد الوهابية في هذا المجال. هذه القضايا تثير مشاعر وتعصبات أهل السنة ونحن نلقي بأنفسنا أهل السنة في حضن الوهابية. فمثلاً إقامة أيام الفاطمية في المدن والقرى التي يشكل أهل السنة الغالبية فيها تثير أهل السنة وهنا تدخل الوهابية على الخط حيث تقول انظروا لهؤلاء الشيعة الذين لا يفرقون بين الوهابية والسنّة؛ إنهم يريدون القضاء على عقائد أهل السنة، حتى أنهم يريدون تشييع جميع أهل السنة. لذلك أنتم مشتركون معنا لكي نواجه التشيّع. لذلك فإنهم يعدّون الأرضية بمنتهى السهولة ليقف أهل السنّة بجانب التكفيريين ويحاربونا، فإذا قلت أنّ طريقة و أخلاق التكفيريين تختلف عن أخلاق أكابر أهل السنة فإن أهل السنة الذين تعرضت عقائدهم للإنتقاد لن يقبلوا كلامك.
ما هي نظرة أهل السنة والوهابية بالنسبة لأهل البيت(ع)؟
يجب أن يعلم جميع الشيعة أنّ أهل السنة يميزون بين أهل البيت والشيعة؛ يعني قبلوا أهل البيت و رفضوا الشيعة. فهم يعتقدون أنّ هؤلاء الشيعة لا علاقة لهم بأهل البيت. جميع أهل السنة يقولون نحن نحب أهل البيت(ع) كما أنّ أهل البيت لم يكن لديهم أبداً أية مشكلة مع الصحابة، وللعلم فإنهم كانوا متفقين مع الصحابة؛ من جهة أخرى فإن لدينا شيعة ينسبون أنفسهم لأهل البيت(ع) لكن لا علاقة لهم بأهل البيت. إذا أدرك الشيعة هذه الأجواء فإنهم سيعلمون أن أهل السنة يقبلون محبة أهل البيت(ع) لدرجة أنه لا يوجد تعارض بينهم وبين الصحابة، يعني أنهم يقبلون جميع فضائل أهل البيت(ع) التي لا توجب تعارض مع حب الصحابة. جميع الحالات التي يتعارض فيها حب أهل البيت(ع) مع حب الصحابة هي نفس النهج الشيعي من وجهة نظر أهل السنة. في النتيجة فإنهم يقبلون بزيارة عاشوراء إلى المكان الذي لا تتعارض فيه مع حب الصحابة. لكن بما أنّ فيها تعارض فإنها تثير المشاعر وهي من منظور أهل السنة نهج شيعي وليست نهج أهل البيت! ليس هناك أية مشكلة في عيد الغدير طالما أنه يدل على محبة أهل البيت(ع)، فإذا احتفلنا بعيد الغدير بين جميع أهل السنة وقلنا أنّ الرسول(ص) قد اختار علي(ع) بعنوان صديق فإن أي شخص من أهل السنة لن يستاء، لكن إذا قلنا أنّ الرسول قد اختار علياً في هذا اليوم كخليفة له، فماذا يعني هذا؟ يعني بقية الخلفاء غاصبون ولأن ذلك لا يتطابق مع حب الصحابة فإنّ هذا التفسير مرفوض من نظر أهل السنة ويأخذون موقفاً تجاههم.
من قال أنّ الوهابية ليس لديها حب أهل البيت؟ الآن لدى الوهابية كتب باسم فضائل الحسنين»، «فضائل فاطمة الزهرا» ويقولون أننا جمعنا بين الصحابة وأهل البيت(ع). إذا نظرنا إلى سلسلة عائلة الوهابية فإننا سنرى خمسة أو ستة أشخاص باسم حسن، خمسة أشخاص باسم حسين و واحد أو اثنين باسم عمر وعثمان. يعني بين أبناء عبدالوهاب يوجد اسم حسن وحسين أكثر بكثير من أسماء الخلفاء الآخرين. والأن هل نستطيع أن نقول أن هذه العائلة ليس لديها حب أهل البيت(ع)؟ بالطبع فإنهم يبغضون الشيعة كثيراً. لذلك فإن طرح موضوع حب أهل البيت من أجل نقد الوهابية ليس له أي تأثير!
ما الذي يمكن فعله في الوقت الحالي لمواجهة الوهابية؟
إذا أردنا حقيقة أن نحارب الوهابية فعلينا أن نستفيد من أشخاص هم سنّة بالفعل مثل الماموستا و المولويين الذين ينتقدون السلفية والوهابية ولم يقعوا تحت تأثيرهما. لقد كان لي العديد من التجارب في هذا المجال والصفوف التي أقمتها في نقد الوهابية لأهل السنة كان لها تأثير من خمسة إلى عشرة بالمائة. يعني تسعون بالمائة هدر من نفقات بيت المال. لكن إذا تحدث ماموستا حول نقد الوهابية فإن النسبة المئوية لتأثيره ستون حتى سبعون بالمائة. بالطبع يجب التنسيق لمثل هذه البرامج بحيث يقوم الماموستا و المولوي بشكل مستقل بمثل هذا العمل وآن يكون لهم مركز ثقل شعبي بين أهل السنة ليثقوا بكلامهم.
إذا ألقينا نظرة على العالم الإسلامي أو إلى بلادنا فإن الكثير من أهل السنة قد ألّفوا الكتب في نقد الوهابية، لكن لم يقم أحد بدعمهم، لقد ذهبت إلى إحدى المدن فقال لي أحد المسؤولين في مدرسة لأهل السنة أنني كتبت كتاباً في نقد الوهابية لكن لم يدعم طباعته أحد. لقد بدأت الوهابية الآن بمساعدة كل شخص يتماشى معها بحيث يطبعون كتبهم وأعمالهم، لكن ماذا فعلنا نحن؟ نحن ندخل على الخط بأنفسنا ونقوم بهدر أموال بيت المال.