لم يكن الشهيد بهشتي ينظر إلى الوحدة الإسلامية على أنها أمر مفيد فقط، بل كان يؤمن بأنها حاجة ملحّة، وبسبب إيمانه الراسخ هذا أقام شبكة من العلاقات الأخوية مع أهل السنّة كما كان يعتبر أن تلك العلاقات هي سرّ استمرار الأمة الإسلامية وليست مجرد تكتيك لمرحلة خاصة.
مسيح مهاجري
يعتبر الشهيد المظلوم آية الله بهشتي الفقيه والعارف والفيلسوف والمتكلم المشهور في عصرنا من أفضل المفكرين الذين طرحوا مشروع التقريب الإسلامي باعتباره ضرورة لا يمكن تجنّبها. كان الشهيد بهشتي فقيه بكل ما تعنيه الكلمة ذو فكر نيّر له العديد من المواقف الخالدة في مواجهة التحجّر السائد وعلاجه.
لم يكن الشهيد بهشتي ينظر إلى الوحدة الإسلامية على أنها أمر مفيد فقط بل كان يؤمن بأنها حاجة ملحّة، وبسبب إيمانه الراسخ هذا أقام شبكة من العلاقات الأخوية مع أهل السنّة كما كان يعتبر أن تلك العلاقات هي سرّ استمرار الأمة الإسلامية وليست مجرد تكتيك لمرحلة خاصة.
لقد اهتم الشهيد بهشتي كثيراً بالأسس الفكرية و آراء فقهاء الفريقين وكان يعتبر هذا الإهتمام على أنه العامل الأساسي في التقريب. كذلك كان لديه إيمان راسخ بأن الكثير من الإختلاف الشائعة بين المسلمين ناتجة عن عدم معرفة آراء الآخرين. لذلك فإن تشجيع طلاب العلوم الدينية والباحثين على معرفة علوم وأسس المذهب الآخر كانت من أهم أساليب و مباديء الشهيد بهشتي في خطبه العلمية.
إضافة إلى ذلك فإنه على الرغم من تعبّد الشهيد بهشتي الشديد بالقيم والعقائد الدينية والروحية إلا أنه كان متجرداً من التعصب الطائفي الفارغ. وكثيراً ما كان عند تضارب الآراء و تنوير العقول ملتزماً بطريقة وأسلوب منطقي. حتى في الحالات التي كان يناقش و يصطدم فيها مع الأعداء الذين يكنّون الضغينة للإسلام والمسلمين، لأنه كان يمتلك عقيدة راسخة بأن الأسلوب المنطقي والمعقول هو السبيل الوحيد لإيصال الأفكار والعقائد.
كما كان لقاؤه علماء أهل السنة في أجواء أخوية و ودّية للغاية يصب في هذا السياق كما اهتمّ بهذا الأمر كثيراً.
لقد كان اختياره للبيئة الأوروبية بعنوان مكان مناسب للعمل اختياراً ناجحاً ومحسوباً كما أن هذا الإختيار كان بسبب ذهنه المنفتح. وخلال تلك السنوات الخمس (1961- 1966) التي كان فيها إمام جماعة للمركز الإسلامي في مدينة هامبورغ بذل جهوداً متواصلة من اجل خلق الوحدة الإسلامية.
من أكبر إنجازاته تعزيز وتقوية هذه النظرية بأن الوحدة الإسلامية هي السبيل الوحيد الذي يحمي حرمة الإسلام وأنّ الوحدة الإسلامية هي أمر ممكن. أتذكر أنني سمعته حيث كان يقول: عندما كنت أريد الذهاب إلى أوروبا سمعت أنّ هناك مؤامرة فكرية معقدة تحاك من قبل المستشرقين الأوروبيين بهدف تكفير كلا الفريقين وبعد ذلك تفسيق الأعلام والصحابة في صدر الإسلام ليقولوا بعد ذلك أنّ الشخص الذي لديه صحابة فاسقون ليس جديراً بالنبوة والرسالة وبهذا الطريقة يقومون بالتشكيك برسالة رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله).
منذ تلك اللحظة عاهدت الله أن لا أوفّر جهداً من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية وأن لا أتوانى عن إحباط تلك المؤامرة الدنيئة. وبالتأكيد فإنه قد وفى بالعهد الذي قطعه لربه كما نذر عمره المبارك في سبيل هذا الطريق المقدس.
إضافة إلى جهوده الفكرية المضنية ليل نهار فقد امتلك علاقات واسعة و عميقة مع أهل السنة أيضاً لدرجة انّ الحاقدين و المتحجرين اضطروا لتوجيه سيل من التهم ضده.
كما كان الشهيد المظلوم بهشتي يغض الطرف عن جميع تلك التهم وكان يعمل بذلك العهد الذي قطعه مع ربه.
قال الشهيد بهشتي في كلمته في يوم القدس: إنّ مراسم يوم القدس هي في الحقيقة إحياء لتضامن جميع المسلمين من أجل تحرير القدس تلك الأرض الإلهية المقدّسة.
تنص المادة 11 من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية استناداً إلى الآية الكريمة «هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون» على أن المسلمين أمة واحدة وأن الجمهورية الإسلامية ستبذل كل ما بوسعها في سبيل خلق الوحدة السياسية والإقتصادية والثقافية للأمة الإسلامية.
يمكن أن نشاهد فكر الشهيد بهشتي في مجال الوحدة الإسلامية في هذه المادة لأنه كان رئيس مجلس الخبراء حيث كانت مهمة إعداد الددستور تقع على عاتق هذا المجلس. ولهذه المادة أهمية كبيرة في وحدة الأمة الإسلامية بعنوان نتيجة للجهود المبذولة في سياق الوحدة الإسلامية.