...». آمل أن نتّحد ولا نتحدث أبداً بالشيعة والسنّة». كان العجوز يتحدث بمنتهى البساطة والسلاسة دون أي تلعثم أو غموض لتدخل كلماته مباشرة إلى قلوبنا .
في العام الماضي سافرت قافلة أرض الأخوّة إلى ثلاثة مناطق في البلاد. وفيما يلي سننشر الأحداث الإيجابية لتلك القافلة وسنطالع بقلم محسن آقابابائي زيارتي لقاء قافلة أرض الأخوّة بوالد الشهيد «عبد الغفار حليمي»:
بعد أن شارك أعضاء قافلة أرض الأخوّة في صلاة جمعة أهل السنّة توجهوا إلى منزل والد الشهيد حليمي(من شهداء أهل السنة).
المنزل في زقاق تمرّ من وسطه ساقية ماء صغيرة؛ زقاق الشهيد عبد الغفار حليمي. في وسط الزقاق مسجد اسمه مسجد «قاري خداط بردي حليمي». استقبلنا شاب طويل ونحيف، بشعر أشقر نوعاً ما يميل إلى الرمادي ودلّنا على الطريق. بعد قليل عرفنا أنه أخ الشهيد. داخل باحة المسجد إلى جهة اليسار، دخلنا غرفة حوالي مترين في ثلاثة أمتار لها نافذة في الجهة المقابلة وباب على الغرفة من جهة اليسار، دون أيّ حائل. هنا في الأعلى رجل عجوز. جسم نحيف و صغير و بشرة تملؤها تجاعيد السنين. على رأسه عمامة على طريقة علماء أهل السنة في هذا الجزء من إيران (تركمن صحرا) وملابسه النظيفة بيضاء ناصعة. نهض لكي يرحب بالضيوف ويصافح كل شخص يتقدم ويقبّله على خدّه. إنه متقدّم في العمر كثيراً. يحاول جاهداً أن يتنفس. عندما رأى أنّ الغرفة لا تتسع لهذا العدد من الضيوف انحنى ليجمع عدّة النوم التي هي عبارة عن بطانية و ملحفة بيضاء و وسادة جميعها مرتّبة قرب رجليه ليسحبها ويضعها جانباً عسى يزيد مكاناً لشخص واحد. يزداد تنفس العجوز. يسنده الحاج براتي ونواب ثم يجلس الجميع. يدير العجوز عينيه من وراء النظارة الشمسية ويمرّ علينا جميعنا بعينيه ويضع يده على صدره ثم يقول لاهثاً بصوت مبحوح ومتهدج: عشتم...(يأخذ نفساً)؛ أهلاً وسهلاً بكم...(عدة أنفاس)؛ صمت و تنفس.
لماذا الكذب؟ لم أكن أظن أبداً أنّ لقاءاً كهذا سيكون ممتعاً إلى هذا الحد بالنسبة لوالد الشهيد وأنّه سيرحب به.
«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ...». آمل أن نتّحد ولا نتحدث أبداً بالشيعة والسنّة». لا أتذكر تماماً إن كانت هذه أول جملة قالها العجوز بعد قراءة القرآن أم أنها كانت أوّل جملانه. كان العجوز يتحدث بمنتهى البساطة والسلاسة دون أي تلعثم أو غموض لتدخل كلماته مباشرة إلى قلوبنا. ثم يؤكد: « إنني آمل من أعماق قلبي وليس مجرد كلام » وكأنّ روحه قد تعبت من الرياء الشائع. ثم يقول بعد ذلك بصوت قوي: « لو لم تكن الثورة فأين كنَا؟ ليس معلوماً !» (هذه الكلمة«ليس معلوماٌ» تترافق بالبكاء) وكأنه في عقله يجيب بألم على المشككين في الوحدة، وفي الوقت نفسه يزيح الستار عن حبه القوي للثورة.
شعر السيد نيازي رئيس مجمع مختومقلي فراغي بهذا الحب للثورة حيث ينقل لنا مشاركة العجوز في مسيرة 22 بهمن لهذا العام: لم يتذرّع هذا الرجل العجوز بكهولة سنّه وذهب إلى المسيرة على كرسيه المتحرك ليدافع عن الثورة التي قال عنها «لو لم تكن لما كان معروفاً أين كنّا». عندما رجع من المسيرة قال للسيد نيازي وهو يضحك أنّه دفع بيديه الكرسي المتحرك بقوة و أطلق شعارات لدرجة أنه بعد ذلك لم يتمكن من فتح أصابعه إلا بصعوبة. وكأن الثورة بالنسبة لهذا الرجل العجوز الذي رأى الدنيا له حضور فعّال ودائم لا ينتهي أبداً. طلب أحد شباب المجموعة من الرجل العجوز أن ينصحه. عندها وضع العجوز ثانية الثورة والوحدة بجانب بعضهما. «فقط لنكون متحدين. البلاد بين أيديكم. جميعنا سنرحل؛ عليكم أن تحافظوا على الثورة بقوة من بعدنا وأن لا تفرّطو بالإسلام.» وكأنه يوصي ولده ويأتمنه على أهم الأشياء. ثم يقول مسرعاً: «لا تستمعوا للكلام العبثي.» وكأنه يريد أن يساعد أبناءه في هذا الطريق (المحافظة على الثورة وعدم خسارة الإسلام) ويحذّرهم من الوسواس الخنّاس.
*
ملاحظة 1: اسم العجوز «خدايبردي حليمي». «خداي بردي» يعني الولد الذي وهبه الله؛ يعني الله أعطاه. ليحفظه الله.
ملاحظة 2: وأخيراً لم أحضر في المجلس. توجهت مع الأستاذ مصطفى رحماندوست نحو كركان وأقام البقية صلاة المغرب بإمامة العجوز. هنيئاً لهم. كما اعترف الأستاذ رحماندوست في المطار أنه رغب أن يصلّي خلفه.
ملاحظة 3: إن الجلوس مع هكذا رجال يفتح بصيرة القلب ويزيدها. الثورة في قلب ذلك الرجل.
ملاحظة 4: ليتني استطعت أن أسأل العجوز: ماذا فعل الإمام لك لتحبه إلى هذه الدرجة. أنت كعالم دين (أنت تمنيت أن لا نتحدث بكلام الشيعة والسنّة) ماذا رأيت في الخميني و ثورته لتبذل روحك في سبيله وتفني عمرك في سبيل هذا العشق، وبعد سنوات طويلة، مازلت عندما يكون الحديث عن الثورة وعن ذلك الرجل تخنقك العبرة وتسبقك الدموع!
ملاحظة 5: لماذا الكذب؟ أنا لم أرَ حتى الآن هذه الدرجة من العشق والمحبة للثورة بين أي أحد من العلماء الذين شاهدتهم حتى الآن.