النقد داخل الخطاب هو في الحقيقة أداة من أجل التصدي للبدع والإفراط والتفريط وتصحيح السلوك الجماعي للشيعة. لذلك فإن النقد في نفسه لا أصالة له بل الأصالة للإصلاح. بعبارة أخرى الإصلاح هدف والنقد وسيلة ولا يجب الخلط بين الهدف والوسيلة.
مجتبي أحمدي
النقد و الحق، وجهان لعملة واحدة!
كان محرّم هذا العام من أكثر الأشهر إثارة للجدل خلال الأعوام الماضية في باب النقد داخل خطاب التشيّع. سواء في مجال السياسة حيث اعتبر رئيس الجمهورية المحترم أن كربلاء درس للتفاوض وبالطبع تعرّض لموجة من الإنتقادات وأصبح مفهوم «إعرف شمّر زمانك» أكثر من أي وقت مضى يطرق سمع ونظر المعزّين في المنابر واللوحات الإعلانية، أو نقد الأستاذ رحيم بور في باب تقليل التديّن إلى العزاء و ازدواجية المجلس الثوري- المجلس العلماني من قبله والذي كان من أسباب مهاجمة الهيئات المفتونة بالعزاء له لااعتراضاً عليه باعتبارهم مدافعين عن حريم الولاية والإمامة و بطبيعة الحال فإن استجابة الشباب المنتسبين لناشطي الجبهة الثقافية للثورة لكلام الأستاذ رحيم بور يؤمّن عنوان محاربة التحجّر.
بغض النظر عن الحكم فيما يخص التصنيفات التي حصلت ينبغي التفاؤل بأصل انتشار النقد داخل الخطاب. لأن النقد والحق وجهان لعملة واحدة. لا شك أن النقد داخل الخطاب في وقت يمتلك فيه التشيّع أكثر من أي وقت مضى إمكانية بسط معارفه على النطاق الإقليمي والدولي أهم سبب لازدهار الخطاب ونمو العقلانية الشيعية حيث يؤمن أسباب الإصلاح و إحياء الفكر الديني ويمنع من الغرق في الأفكار الطائفية والآليات السطحية والظاهرية.
لكن بسبب أن النقد داخل الخطاب وعلى الرغم من أنه ضروري من أجل التصدّي للتحجر والجمود الفكري وضروري لنمو وازدهار العقلانية الشيعية، إلا أنه لا ينبغي الغفلة وأن لا يخرج العقل السليم عن طريق العدالة والتعادل في النقد، وفيما يلي سنشير إلى النقاط التي قد تساعد في إثراء النقد داخل الخطاب والوصول إلى هدفه.
النقد وسيلة و الإصلاح هدف
النقد داخل الخطاب هو في الحقيقة أداة من أجل التصدي للبدع والإفراط والتفريط وتصحيح السلوك الجماعي للشيعة. لذلك فإن النقد في نفسه لا أصالة له بل الأصالة للإصلاح. بعبارة أخرى الإصلاح هدف والنقد وسيلة ولا يجب الخلط بين الهدف والوسيلة. لا ينبغي أن يصبح النقد أصيلاً ويُعتبر الإصلاح فرع عنه.
يجب أن يكون النقد تعاطفاً
بما أننا قلنا أن الإصلاح هدف والنقد وسيلة، فلكي نستطيع تصحيح سلوك خاطيء فعلينا أن نهتم أيضاً بالدوافع والنيّات والخلفية التاريخية والإجتماعية لذلك السلوك. لأن كل عمل يقوم به الإنسان له جذور في الدوافع والنيّات والقيم اللاإرادية التاريخية. لذلك يجب أن يكون النقد نصوحاً وجاداً في ذاته ليتمكن من خلق تفاهم و فهم مشترك. وفيما يلي سنشير إلى أمثلة من اهتمام أهل البيت بالخلفيات الإجتماعية للسلوك والتعامل المتعاطف بهدف الإصلاح والهداية في سيرة الإمام الحسين عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام.
كتب الشهيد مطهري في قصة الصادقون:
جاء رجل إلى المدينة وهو قاصد الحج أو مقصد آخر. فوقع بصره على رجل كان جالساً في زاوية جانبية. فلفت انتباهه فسأل: من هو هذا الرجل؟ فقيل: «الحسين بن علي بن أبي طالب». ولأنّ الدعايات المغرضة كانت قد رسخت في روحه بشكل عجيب انفجر غضبه وبدأ يتقرب إلى الله بكل ما يستطيع من مسبّة وشتم الإمام الحسين بن علي(ع).
عندها قال كل ما أراد وفتح عقدة قلبه، وبدون أن يغضب الإمام الحسين(ع) أو يظهر الإستياء نظر إليه نظرة مليئة بالعطف والمحبة وبعد أن قرأ عدة آيات من القرآن تتحدث عن حسن الخلق والعفو والتسامح قال له: «نحن مستعدون لنقدم لك أية مساعدة» عندها سأله: «هل أنت من أهل الشام؟» فأجاب: «نعم». قال: لديّ تجربة مع هذا الطبع والخالق وأعرف مصدره»
أو كما نقل عن ابن شهر آيوب في مناقب آل أبي طالب ج4 ص19 حيث كتب:
أنّ شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه و الحسن لايردّ فلما فرغ أقبل الحسن عليه فسلّم عليه وضحك و قال أيها الشيخ أظنك غريباً ولعلك شبّهت فلو استعتبتنا أعتبناك و لوسألتنا أعطيناك و لواسترشدتنا أرشدناك و لواستحملتنا حملناك و إن كنت جائعاً أشبعناك و إن كنت عريانا كسوناك و إن كنت محتاجاً أغنيناك و إن كنت طريداً آويناك و إن كان لك حاجه قضيناها لك فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلي وقت ارتحالك كان أعود عليك لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كبيراً فلما سمع الرجل كلامه بكي ثم قال أشهد أنك خليفة الله في أرضه الله أعلم حيث يجعل رسالاته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ والآن أنت أحب خلق الله إلي وحوّل رحله إليه و كان ضيفه إلي أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم.
في كلا المثالين من سلوك أهل البيت عليهم السلام فإن موضوع الإهتمام بأن الشخص شامي والخلفية الإجتماعية لذلك التصرّف كانت السبب في أن يواجه أهل البيت(ع) هذا السلوك الخاطيء بالتعاطف والتشخيص الصحيح له.
لننتبه كيلا يحلّ النقد محل الإصلاح
في النهاية يبدو أنه إذا لم يكن لدينا علم بالفرق بين النقد والإصلاح فإنّ هذين الأمرين سيحلّان إرادياً أو لاإرادياً محل بعضهما وسيقضي النقد على الإصلاح. لأن الإصلاح موضوع محوري والنقد يتمثل بلوم محور الإصلاح وله بعد إيجابي أيضاً كما ان للنقد جانب سلبي وحد للرفض. لقد كانت سيرة أهل البيت عليهم السلام إصلاحية وهذا الإصلاح هو ما جعل الشيعة واقعيين وعقلانيين ومصممين، كما أن النقد يجعل من الشيعة متحدثين مثاليين. الإصلاح يجعل الشيعة صبورين حليمين وأهل تقية والنقد يجعل الشيعة عجولين وحساسين وعاطفيين. الإصلاح معقد والنقد بسيط. لذلك المصلح يرى البواطن أيضاً ولكن المنتقد يرى الظواهر، كما أن الشكلية والتبسيط يجرّ الإنسان نحو التكفير.
وفي النهاية « إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»