عندما كان الشخص يرى أنه باسم نقد الوهابية يتم التطرق لنقد الخلفاء والتشكيك بأحكام مثل صلاة التراويح-على الرغم من أن مثل هذه الأمور جائزة في الأوساط العلمية- فإنه بطبيعة الحال سيكون متردداً في التماشي مع تلك التيارات وأنّ فوت الحاجة أهون من طلبها من غير أهلها! بعبارة أخرى فإن المتطرفين أو الأشخاص غير المتخصصين قد قاموا بعمل قللوا فيه من التماشي مع ذلك التيار.
عليرضا كميلي
من بين الأمور المنتشرة التي أصبحت مألوفة خلال السنوات الأخيرة في المؤسسات المنتسبة للناشطين الشيعة في الحوزة إقامة صفوف و دروس تخصصية بعنوان «نقد الوهابية». إنّ جذور القضية ترتبط أيضاً بالشعور بالخطر من انتشار الوهابية في إيران.
الشعور بخطر انتشار الوهابية في إيران
إلى أي مدى هذا الشعور صحيح هو محل تأمّل في نفسه وهو لماذا لا يعتبر بعض الأشخاص أن هناك فرق بين بعض التيارات مثل الديوبندية والأخوان المسلمين مع الوهابية، كما انهم يلصقون عن جهل أو بشكل متعمد ومن أجل إيجاد حالة من الرعب! تسمية الوهابية على الكثير من أهل السنة!
ومع ذلك على الرغم من وجود تشابهات جزئية بين هذه التيارات والوهابية إلا أنّ هناك اختلافات جوهرية وأساسية مثل العقلانية، الباطنية والتقليد وكذلك اختلافات أساسية فقهية وكلامية بين اهل السنة في إيران والعالم وبين الوهابية التي كُتب عنها كتب عديدة بواسطة أهل السنّة أنفسهم، كما أنّ الكتب التي كتبها الوهابيون في تكفير علماء الديوبندية وعلماء الأخوان المسلمين هي أفضل دليل.
من الممكن أن تحرّم الديوبندية كالوهابية «شدّ الرحال» ولكنها تؤكد أنه لا يحق لنا اعتبار من يسافر بقصد الزيارة أنه مشرك ونقوم بتكفيره وبعبارة أخرى فإن القضية على مستوى الفقه الأصغر بينما الوهابيون يكفّرونه وأحياناً يجوّزون قتله!
للأسف فإن بعض متطرفي الشيعة يستفيدون من هذه الحركة من اجل نقد عقائد الشيعة والتهجّم عليهم وبالضبط فيما يصب في سياق السياسات الوهابية التي تُدار من قبل الإنكليز ويحاولون إظهارهم على أنهم ممثلون لجميع أهل السنّة و يسعون «لإظهار اهل السنة على أنهم وهابية»!
مواجهة الوهابية عن طريق النقد العلمي
إنّ كاتب هذه السطور لا يعتقد أنه ليس للوهابية أي أثر في إيران وبطبيعة الحال بسبب النفقات الباهظة التي من الممكن أن تؤثر على قسم من أهل السنة في إيران، لكنّ موضوعنا هو لماذا تمّ اتّخاذ استراتيجية بين عدد من المؤسسات الحوزوية الشيعية بعنوان «نقد الوهابية والإجابة على شبهات الوهابية»؟
البعض يكتفي بهذا الجواب وهو أنه لا شأن لنا بأهل السنّة ونريد القيام بعمل من أجل الدفاع عن عقائد الشيعة تجاه الشبهات التي تطرحها الوهابية. إنّ هذا الأمر قي حال مراعاة أدب الجواب- والذي تطرقنا له في موضوع «طرح الشبهة من أجل الدفاع عن العقيدة» هو أمر جيد ومقبول لدى جميع أصحاب العقيدة، لكنّ القضية تكمن في أنّه حتى التيار الذي جعل جمهوره الشيعة عندما يدخل في مواضيع تتعلق بعقائد أهل السنّة فعليه استخدام آداب وأساليب مدرسة أهل البيت عليهم السلام لأنه في حال عدم الدقة يكون لا إرادياً يغذّي حركة الصراع العقائدي بين المذهبين و يذكي النار التي أعدّها العدو!
نفس هذه المؤسسات قامت بالتدريج بتصميم منتجات أو دورات لجمهورها من أهل السنّة حيث لاقت نوعان من التعامل. حيث لاقت ترحيباً نسبياً لدى قسم من أهل السنّة يعني الصوفيين الذين تعرضوا بشكل مبكر لتكفير وهجوم الوهابية حيث ازدادت مساعيهم ضد الوهابية أيضاً.
لماذا لم يوافق قسم من أهل السنة؟
لكنّ جزءاً من أهل السنّة كانوا ينظرون بتشاؤم إلى هذه القضية. هذا الأمر ليس بسبب الإشتراك في العقائد مع الوهابية بل كان بسبب «نوع الإنتقادات» أو «عدم الرضا» من الأداء الحكومي الذي اختار لنفسه الطابع الديني والشيعي. لقد خلق الشعور بالتمييز الناتج عن أداء بعض المسؤولين تجاه عرق أو مذهب خاص نوعاً من الحساسية الدينية غير المحبّذة تجاه كل عمل يتم من قبل الحكومة كما أنّ هذا الإجراء ينطبق عليهم أنفسهم!
هؤلاء الأشخاص مع مشاهدتهم لحركة «نقد الوهابية» الواسعة التي وجدت طريقها رويداً رويداً إلى الإعلام لتصل إلى مستوى الإعلام الوطني أيضاً كان لهم عدة أنواع من التعامل. لقد كانوا اكثر تشاؤماً وأكثر استياءاً ومن جهة لم يكن لهم وصول جدّي إلى علمائهم فبدل الإعلان عن استيائهم من هذه الحركة و القنوات التي كانت قد استطاعت أن تثير النظام بشكل جيد أصبحوا على علاقة بها حيث قاموا بمتابعتها اكثر وربما يكونوا قد تعرّفوا على تلك العقائد المنحرفة حديثاً! وهذا معناه أن استراتيجية «نقد الوهابية» قد أدت لدى بعض الساخطين إلى «التحاقهم بالوهابية»!
إنّ عدم مراعاة أدب النقد وكذلك عدم مراعاة نقاط دقيقة مثل عدم مهاجمة عقائد أهل السنة المشتركة معهم أثناء النقد و أمثال ذلك له دور كبير في خلق عدم الثقة «بتيار نقد الوهابية» كما ان الكثيرون قد أُحبطوا وَيئسوا من صدقهم في مواجهة الوهابية!
عندما كان الشخص يرى أنه باسم نقد الوهابية يتم التطرق لنقد الخلفاء والتشكيك بأحكام مثل صلاة التراويح-على الرغم من أن مثل هذه الأمور جائزة في الأوساط العلمية- فإنه بطبيعة الحال سيكون متردداً في التماشي مع تلك التيارات وأنّ فوت الحاجة أهون من طلبها من غير أهلها! بعبارة أخرى فإن المتطرفين أو الأشخاص غير المتخصصين قد قاموا بعمل قللوا فيه من التماشي مع ذلك التيار.
طبعاً بسبب معارضة هذه الفئة من أهل السنّة للوهابية فقد شهدنا و نشاهد أنهم أنفسهم قد قاموا بصراع فكري مستقل ومثال ذلك في العديد من الإنتقادات التي يوجهها كبار علماء الديوبندية في سيستان وبلوشستان ضد تيار أهل الحديث غير المقلّد الذي يتم تغذيته من باكستان والسعودية.
مكافحة الوهابية مثل التعامل مع المعلول!
بغض النطر عن التأثيرات الإيجابية أو السلبية لهذا التيار فإن قضية «مكافحة الوهابية» عن طريق الإجابة على الشبهات العقائدية تعتبر بدورها نوع من «التعامل مع المعلول» وليس التعامل مع العلّة لأنه في دراسة علل توجه بعض أهل السنة إلى الوهابية- التي تعتبر أقلية مطلقة في العالم الإسلامي- فإننا نصطدم بأسباب مثل «عدم وجود علاقة مناسبة بين الشيعة والسنّة وخلق صورة مغلوطة لدي الطرفين»، «إساءات بعض الشيعة والشبكات المتطرفة»، «الفقر الإقتصادي والشعور بالتمييز وعدم الرضا السياسي»، «تفعيل شعور الأقلّية والتحريض الديني» بينمت نجد أنّ دور «طرح المواضيع الفكرية والمعرفية» أقل بكثير من بقية العوامل الأخرى.
على فكرة فإن معظم الأشخاص الذين وقعوا في مصيدة هذا الفكر هم أشخاص لديهم نوع من السخط الإجتماعي أو الفراغ في حياتهم وقد استطاع العدو من خلال هذا الطريق التأثير عليهم. عندما نعلم أن أهل السنّة في إيران بعيدون في تقاليد معرفتهم عن التعاليم المتطرفة للتكفيريين ومن جهة أخرى فإن الحكومة كانت بيد الشيعة، عندها علينا أن نسأل أنفسنا بشكل أكثر جدية لماذا علينا أن نشهد أرضية نمو هذا الفكر!؟هل كنا نتمتع حقيقة في الإدارة الفكرية والإجتماعية بالحكمة الكافية؟ أوَلم يكن ضعف الخطاب التقريبي في مجتمعنا الديني هو من أسباب التباعد بين المذهبين و توجّههما نحو اتجاهات أخرى؟
ماهي الإستراتيجية الفعّالة للمواجهة؟
لننتقل من نقد الإستراتيجيات الموجودة لنصل إلى الإستراتيجيات التي يمكن اعتبارها بطريقة ما نوع من التعامل مع الأسباب والجذور. جميعنا نعتقد أن نشاط أهل السنة أنفسهم تجاه الوهابية يجب أن يكون محور العمل لأنّ الشيعة ومهما بلغت قوتهم في محاربة هذا التيار إلا أنّهم سيُتّهمون بسهولة بالمواجهة الدينية.
لذلك فإن تعزيز العلمية والتواصل مع «التيار المعتدل لدي أهل السنة» وكذلك «إصلاح الثغرات والتمييز الإجتماعي» هي من أهم استراتيجيات حل هذه القضية، لكن لأننا في بعض الأحيان مبتلون بالعصبيات الدينية والتعامل السلبي والإجراءات المكتبية والعلمية البحتة فإننا نقوم بوضع استراتيجيات متناسبة مع ظروفنا، حتى أننا نقوم بتخفيض مستوى القضايا إلى الطبقة التي نقدر عليها!
إذا كان الشيعة «زينة» كما طلب منهم أهل العصمة والطهارة و قاموا بمراعاة «الأدب الجعفري» وقاموا بالمطالبة بالحقوق المشروعة لأهل السنّة، فإنهم سيحصلون بذلك على ثقة أخوانهم المسلمين وعندها ستكون تعاملاتهم العلمية أكثر تأثيراً، لأن رئيس مذهبنا بأخلاقه النبوية قد جمع حوله آلاف التلاميذ من مختلف فرق العالم كما انّ ما قام به كان السبب في زيادة الإصغاء والسمع أكثر وليس الإستياء والإبتعاد
إن التعامل والتعايش المُوصى به و المذكور مثل «عودوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم، صلّوا في مساجدهم...» يستدعي إقامة دورات «التعرّف علي السنّة» و «سيرة أهل البيت في التعامل مع أهل السنّة» وليس دورات «نقد الوهابية» ليقوم الطلاب الشيعة والسنّة بمعانقة بعضهم عندما يلتقون بدلاً من طرح الشبهات والإجابة عليها وأن يفكّروا بالمحبة والتعاطف أكثر من أي وقت مضى وأن يتّبعوا طريق تعزيز «عزة وقوة الأمة الإسلامية». إن شاء الله.
ومسك ختام هذا الموضوع كلام لسماحة قائد الثورة الذي يشرح بشكل جيد معيار العلاقة بين الشيعة والسنّة يعني «الألفة». مؤشر لا يستطيع البعض بتقريرهم المنافق عن الوحدة أن يدركوه:
ما معني «و تذهب ريحكم»؟ معناه هذا. عندما يحصل اختلاف، تحصل تفرقة، عندما يوجد سوء ظن بالنسبة لبعضنا البعض، عندما نعتبر بعضنا خائنين، فمن الطبيعي بأننا لن نتعاون مع بعضنا. وحتى إذا تعاونّا فإننا لن نكون متآلفين. إبريل 2009م