الأطرف والأعجب من هذه الظاهرة في المدارس العلمية الشيعية هي أنها تقبل أهل السنة. إن مشاركة طالب من أهل السنة من اجل الدراسة الدينية وفي حوزة علمية شيعية والتي قد تكون ظاهرة مدهشة هي أمر عادي للغاية في تلك المنطقة. حتى خريجي هذه الحوزة العلمية يمكن أن تشاهدهم بعنوان أئمة جماعة مساجد أهل السنة في مناطق مختلفة.
حجة الاسلام سيد علي موسوي
وسائل الإعلام العالمية اليوم مليئة بالدعايات المسمومة للصهاينة الذين يتطاهرون بأنهم شيعة و سنّة. ربما تتصور أنت مثلي أيضاً أنه لا يمكن تصور وجود نقطة في العالم الإسلامي لم يظهر في مجتمعها فجوة كبيرة بين الشيعة والسنة.
في محرم هذا العام شاهدت بمنتهى الإستغراب وعن قرب جزيرة آمنة وسط هذا البحر العاصف. إنّ ما سنطالعه في السطور التالية هو حكاية المساجد والمدارس العلمية وعلماء تلك البلاد النائية والفقيرة في أفريقيا. مجتمع ربما لو نظرنا بدقة لكان قدوة لنا جميعاً نحن أصحاب الحضارة والثقافة!
لينصبّ اهتمامنا بشكل جدّي في هذا التقرير على سلوك الشيعة في التعامل مع مجتمع أهل السنة وفي النتيجة الفرص التي تنتج عن هذا التعامل الذكي. تعامل هو بالتأكيد قدوة لنا جميعاً نحن الذين نعيش في مركز الشيع في العالم. قدوة يقدّمها لنا الشيعة الساكنين في أنأى نقطة من هذا العالم.
تنزانيا دولة ذات تركيبة مسلمة- مسيحية مع غالبية من المسلمين السنّة الشافعيين. كما أن الأديان المحلية تشكل حوالي 15 بالمائة من عدد السكان. دخل الإسلام تنزانيا منذ القرون الأولى للهجرة ومع هجرة العرب وسيادة عمان على تلك المنطقة ازداد انتشار الإسلام هناك. وفي الفترات اللاحقة لعبت اللغة السواحلية (تركيبة من الفارسية والعربية والإنكليزية واللغات المحلية) دوراً خاصاً في نشر الدين الإسلامي بين أهالي تلك المنطقة. فالإسلام هو دين الغالبية في تنزانيا وعلى قول فإن المسلمين يشكلون 50 بالمائة من عدد السكان (حوالي 16 مليون نسمة). تدّعي الحكومة أن الأكثرية يعني 40 بالمائة مسيحيون و 35 بالمائة مسلمين لكنها غير مستعدة لإدخال السؤال عن المذهب في إحصائية عدد السكان.
معظم المسلمين شافعيون لكن للحنفيين أيضاً وجود هناك. كما شاهدت في دار السلام مسجداً للإباضية. (كما أن مذهب مذهب الخوارج الذي هو مذهب عمان الرسمي موجود هنا بسبب حكومة عمان سابقاً). كما أن للفرق الصوفية القادرية والأحمدية دور عبادة في تنزانيا.
الشيعة في تنزانيا أقلية مطلقة وفي أحسن الأحوال لا يصل عددهم إلى 100 ألف شخص. على ما يبدو فإن هناك 30 ألف شيعي محلي و 12 ألف شيعي خوجي. كما أن الشيعة الإسماعيلية لا يصلون إلى 10 آلاف شخص حيث أن نصفهم بهرة والنصف الآخر خانية.
العجيب أن الحدود التي يتم تصويرها بين الشيعة والسنة تكاد تكون غير ملحوظة في المجتمع التنزاني وهذه القضية تبدو أكثر عجباً في العصر الحالي حيث الدعاية الوهابية التي بلغت تلك المناطق بشكل كبير. إن توجهات أهالي تلك البلاد إلى الدعاء والأدعية قد جعلت مناسباتهم تخل قلوب الشيعة الذين تربطهم علاقة مناجاة وشغف بالله تعالى، كما أدت إلى انتشار أدعية وزيارات الشيعة بشكل كبير بين أهل السنة في تلك المنطقة. كما أن أهل السنة في تلك البلاد مفتونون بأدعية الشيعة هذه. إن إقبالهم الكبير على الصحيفة السجادية هي إحدى الأمثلة على ذلك العشق والإفتتان.
قد تتصور في مراسم عزاء الإمام الحسين (ع) في مساجد الشيعة أثناء اللطم أن جميع الموجودين في المجلس ليسوا شيعة، لكن في الحقيقة فإن بعض الموجودين هم من أهل السنة. ليس فقط مشاركة أهل السنة في مساجد الشيعة وحتى مشاركتهم في المنبر وعزائهم هو الأمر العجيب، بل في مساجد أهل السنة أنفسهم يمكن أن نشاهد ثقافة الشيعة بشكل جيد. فأنا في بعض الأوقات كنت أصلي في مساجد أهل السنة. كانوا قد نصبوا بالقرب من مدخل المسجد رايات أبي عبدالله الحسين وأعلام عزاء الإمام الحسين(ع). وفي داخل المساجد أيضاً ومباشرة بعد الصلاة مثل مساجد الشيعة يقرأون الآية الشريفة إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما والطريف أنهم يصلون على محمد وآل محمد ثلاث مرات وفقط في المرة الثالثة يضيفون الصحابة. ثم مع التسبيح يبدأون بإرسال تسبيحات الزهراء(س). (كل هذه الأفعال من وجهة نظر الوهابية هي شرك وبدَع كما أن الوهابيين المتطرفين يهدرون دم من يرتكب تلك البدع في الدين!)
كما ان حضور الشيعة في مساجد أهل السنة هو أمر عادي للغاية ومنتشر حتى انه لا يثير التساؤل. كما أن الحدود بين الشيعة و أهل السنّة قد زالت بشكل كامل لدرجة أن المسؤولين الثقافيين الشيعة لا يستطيعون التأكد في تحديد إن كان بعض الأشخاص المرتبطين بهم شيعة أم سنّة!
من أذكى النشاطات الدينية لبعض الشيعي الخوجة (الذين يشكلون الطبقة المرفهة من تنزانيا) هو تشكيل مراكز تعليمية من الإبتدائية حتى الثانوية وأحياناً جامعات للمسلمين (أهل السنة). النقطة الرائعة في تلك المراكز أنه إلى جانب الإهتمام الكبير بالمستويات العلمية العالية فإن التعاليم والتربية الدينية جدّية أيضاً ومن هنا فإن التعاليم و حتى المراسم الدينية التي تقام في هذه المراكز ليس له لا طابع شيعي ولا طابع سنّي. فالمضمون التعليمي تم تصميمه بشكل محترف للغاية من أجل أهل سنّة تنزانيا. ليس فقط طريقة الدعاء بل الكثير من المواضيع الإختلافية بين الشيعة والسنة يتم عرضها والإستدلال عليها بنظرة معتدلة وبدون أن يكون هناك تصريح بنقد مذهب خاص. إن قضية المحافظة على النظرة الإسلامية الأصيلة أو نفس نظرة أهل البيت عليهم السلام هي قضية أساسية بالنسبة لمدراء تلك المراكز لكن بطريقة لا تثير حساسية أهل السنة. الكثير من هذه الامور ليست ناتجة عن غرف العمل الفكرية الخاصة بل إن هذه الظاهرة قد تشكلت بإبداع من الكوادر المحلية والحساسية الصريحة للخوجيين. (مؤخراً وفي أفضل مؤسسة تعليمية بين كل تلك المؤسسات يعني مؤسسة ولي عصر التابعة للويباز قد طلبت من مؤسسة الدراسات الإسلامية في مدينة قدم التابعة لحجة الإسلام الدكتور شمالي قد طلبت المساعدة في دورة عقائد إسلامية من أجل تصحيح و ضبط دوراتها التعليمية و آمل أن تقوم بهذا الأمر بأفضل طريقة من خلال معرفة مناسبة لهذه المنطقة وبعيداً عن الفرضيات المسبقة الموجودة عن أهل السنة في المنطقة العربية).
الأطرف والأعجب من هذه الظاهرة في المدارس العلمية الشيعية هي أنها تقبل أهل السنة. إن مشاركة طالب من أهل السنة من اجل الدراسة الدينية وفي حوزة علمية شيعية والتي قد تكون ظاهرة مدهشة هي أمر عادي للغاية في تلك المنطقة. حتى خريجي هذه الحوزة العلمية يمكن أن تشاهدهم بعنوان أئمة جماعة مساجد أهل السنة في مناطق مختلفة.
سواء في المدارس أم في المراكز التعليمية فإن معظم المخاطبين الموجودين في مجالسنا كانوا من أهل السنة ونحن مع أخذنا بعين الإعتبار عدة ملاحظات مختصرة في العرض قمنا بتقديم الكلام النهائي للإسلام الأصيل. في هذه الجلسات ليس فقط أننا لم نتعرض للنقد بل كان الترحيب بنا جدياً. بالطبع هناك ملاحظات كانت تحصل في جموع مختلفة. مثلاً ملاحظات حول دورة تربية المعلم التابع للويباز و مؤسسة بلال ميشن زنغبار كانت اكثر بقليل، لكنها كانت تحدث القليل فقط من تقديم نظرتنا.
هذه الطريقة الذكية في التعامل للشيعة في تلك المنطقة لا تؤدي فقط إلى خلق عقلية إيجابية تجاه الشيعة بل إلى خلق نظرة إيجابية تجاه المسلمين جميعاً. هذه النظرة ليست منتشرة فقط بين طبقات المجتمع بل بين النخب السياسية في تنزانيا أيضاً. حتى من نظر الشخصيات السياسية غير المسلمة التنزانية فإن إيران رمز لبلد نموذجي بالنسبة للمسلمين. يحاول مسلموا تنزانيا منذ سنوات إقامة
.