من أجل التأثير على مستوى العالم الإسلامي فعلينا في البداية إقامة علاقة مؤثرة. ثانياً أن تنجرّ تلك العلاقة إلى الأنس والعاطفة. بعد ذلك يصل الدور للتبليغ. بدون هاتين المرحلتين لن يكون التبليغ مؤثراً.
حجة الاسلام علي أكبر براتي
ضعفنا الكبير عدم وجود علاقات شعبية
جاءت مجموعة من شباب تركيا كان بينهم بينهم علويون و أهل السنّة إلى إيران. بعضهم كانت المرة الأولى التي يزور فيها إيران والبعض الآخر كانت المرة الثالثة.
من خلال دراسة الآفات التي لدينا مع تواجد مجموعات أجنبية في إيران توصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن المجموعات الأجنبية التي تزور إيران لا تقيم علاقة مباشرة مع الناس. فإما أن يذهبون من المطار مباشرة إلى مكان المؤتمرات و يعودون أو يقضون دورات تعليمية في أماكن مغلقة حيث غالباً ما يكون مكان السكن و إقامة الصفوف في مكان واحد. لذلك فإن علاقاتهم الشعبية معدومة تقريباً. إلّا في حال ذهابهم لزيارة حرم الإمام الرضا(ع) أو المعصومة (س) حيث يحتكّون بالناس. لذلك فقد توصلنا إلى هذه النتيجة وهي أنّه يجب أن ندعهم يختلطون بالناس. إنّ اختلاطهم بالناس يجعلهم يحصلون على معرفة أفضل عن إيران.
على سبيل المثال أخذناهم إلى الحديقة لتناول الغداء. في طريق العودة من بهشت الزهراء أخذناهم إلى مسجد أبو الذر حيث جرت محاولة اغتيال سماحة قائد الثورة في عام 1981. صلّينا المغرب بين الناس. كما رحّب بهم إمام الجماعة. و بعد الصلاة ذهبنا إلى مكتب إمام الجماعة ثم قدّم لهم الهدايا.
إنّ اختلاطهم بطبقات الناس حيث يتواجد بينهم عادة من يتحدثون التركية جعلهم يمتلكون شخصاً إيرانياً يتحدث لغتهم. لذلك تنشأ بينهم صداقة و محبة جيدة. ثم ذهبنا بالحافلة نحو محافظة جلستان. لأن أجواء الحافلة تخلق جوّاً من المودة.
نقل رسالة الثورة عن طريق أهل السنّة
اخترنا محافظة جلستان لأنّ التركمان الذين تبلغ نسبتهم على الأقل 60- 70 بالمائة يستطيعون التواصل بلغتهم مع الأتراك. أخذناهم إلى قرية مختارها وجميع مسؤوليها من التركمان. في البداية أخذناهم إلى منزل عالم من أهل السنة في القرية. عندما أردنا أن نشرح له معنى «البسيج» أو التعبئة الشعبية، أخذناهم إلى مركز بسيج في قرية تركمانية كل سكانها من أهل السنة. كما أن أهل السنة في تلك القرية لديهم شهداء و لديهم مصابي حرب.
كنا قد لذنا بالصمت ورجال الدين والناس من أهل السنة كاوا يحدثونهم عن الثورة الإسلامية و البسيج وعلاقة الحكومة مع الأقليات الدينية و وضع الحوزات العلمية لأهل السنة. وبدأو يثنون و يمتدحون الوضع مثلاً أنّ النظام يؤمّن على الطلبة و يعفيهم من خدمة العلم...كل هذا كان يتم توضيحه على لسان رجل دين من أهل السنة حيث كان كلمه مؤثراً للغاية. لدرجة أنهم أثناء حديث رجل الدين قاموا بالتكبير ثلاث مرات!
بعد ذلك الإجتماع كانوا سعداء للغاية وكانو يقولون أنّ تلك « الوحدة » التي كنّا نظن أنها مجرد « شعار » قد شاهدناها بشكل « عملي». وبالطبع فإن أهالي القرية أيضاً قد أتمّوا المهمة. فمن أجل استقبال الضيوف قاموا بارتداء ملابسهم المحلية وشكّلوا صفّين وبدأوا يرمون على رؤوسهم الورد والحلوى. حوالي 2500 شخص من أهالي القرية كانوا قد جاؤوا لاستقبالهم. كما جاء العلماء و وجهاء القرية لاستقبالهم. الطريف في الأمر أنه كان من المقرر أن نصل صباحاً إلى هناك ولكننا وصلنا عصراً. كما أنّ أهالي القرية كانوا قد اجتمعوا منذ الصباح وجاؤوا ثانية عند العصر لاستقبالهم.
كان الضيوف يقولون لنا أنكم استقبلتمونا كما يُستقبل الملوك و الرؤساء! فعندما يأتي رئيس جمهورية أو ملك إلى بلادنا فإنهم يستقبلونه بهذه الطريقة.
هذا الأمر أيضاً ترك انطباعاً جيداً لدى مواطنين من أهل السنة. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية قد أعطتهم أهمية لدرجة أنها أخذت ضيوفها إلى عندهم والنظام يثق بهم كثيراً بحيث يصبح أهل السنة التركمان هم ممثلي إيران الجمهورية الإسلامية.
كسب ثقة أهل السنة في إيران
المثير أنه عندما قلنا لعالم من أهل السنة التركمان أن الضيوف أتراك و باستطاعتك أن تتحدث معهم باللغة التركية قال لا لأنني إيراني فينبغي أن أتحدث معهم باللغة الفارسية! يعني كان يريد أن يظهر بشدة مدى ارتباطه بإيران و بالجمهورية الإسلامية.
كذلك الضيوف الأجانب عندما يسمعون رسالة الثورة عن لسان أهل السنة فإنهم يقبلون ذلك بشكل أفضل. في تلك الزيارة كنا ساكتين و الضيف و المضيف يعني «الناس» كانوا يتحدثون مع بعضهم.
بعد ذلك أخذناهم إلى بندر التركمان. كانت مجموعة من الأخوة التركمان على الساحل ينتظرون الضيوف و يحضّرون لهم الضيافة. يوجد لدى التركمان طعام يشبه الكعك باسم «بُراك» . عندما أحضرناه إلى الضيوف رأينا أنهم يعرفون ذلك الطعام و بنفس الإسم. كانوا يأكلونه بشغف خاص. خلال ثانيتين ثلاثة انتهت شرائح البراك ! كانوا يقولون نحن في مناطقنا عندما نذهب إلى المناطق القروية فإن أفضل شيء يقدّمونه لنا هو هذا البراك. كانوا يقولون أن هذا البراك أطيب من براك بلادنا.
هذه من الإرتباطات الثقافية بين الشعوب التي تخلق لنا فرص كبيرة. تعتبر المشتركات الثقافية والإقليمية للدول من الفرص التي يمكن أن نستفيد منها. لذلك فإن معرفة عميقة لثقافة وآداب و عادات الشعوب تساعدنا كثيراً.
فمثلا كنا نأخذهم إلى السوق ونقول لهم عودوا بعد ساعتين. يعني نتركهم على حريتهم ليقيموا علاقة مع طبقات الناس. ليس لدينا أي شيء لنخفيه. فالناس مع النظام على الرغم من وجود بعض الإنتقادات لديهم. وكذلك لير الضيوف الأجانب أن الناس يتحدثون بحرية دون أن يتدخل النظام بهم وفي الأساس يقول للضيف الخارجي إذهب واستمع، إنها أفضل دعاية للنظام.
إدارة المواضيع الإختلافية بين الشيعة والسنة
في اليوم الأخير للزيارة لم ينم الضيوف أصلاً. تحدثنا مع بعضنا حتى الصباح. الكثيرون كانوا يقولون لقد تعلمنا عندما نعود إلى تركيا كيف نتعامل مع الشيعة. فهذه المعاملة الحسنة التي تعاملون بها أهل السنة يجب أن نعامل بها الشيعة لدينا، وبقدر ما هم راضون عنكم يجب أن يكون الشيعة أيضا راضون عنا.
البعض منهم كان يريد الخوض في القضايا الخلافية بين الشيعة والسنة. قلت أنا لا أدخل في مواضيع إختلافية. لأنني أنا رجل دين وأنت لست كذلك. إنّ مستوى معلوماتي أكبر من معلوماتك أنت لذلك قد لا تستطيع أن تدافع بشكل جيد عن عقائدك وهذا غير عادل وغير منصف. كانوا ينصدمون عندما كنت أقول ذلك! ولكن إذا أرتم فإنني سأتحدّث لكم عن التشيّع.
سألوني حول وضع الشيعة للتُّربة في الصلاة. فأجبتهم. بعد ذلك ذهبنا إلى جمكران، شاهدتهم قد وضعوا التُّرب للصلاة. فقمت بجمع التُّرَب! قلت لا داعي لأن تفعلوا ذلك وصلّوا على طريقتكم. فقالوا لا، لقد وضعنا الترّرب عن معرفة. ثم عدت وأكدت لهم بأننا لا ندعوكم للقيام بهذا العمل.
المثير أنه إذا أراد أحدهم أن يتحدث بتطرف ولو قليلاً فإن الجميع كانوا يعترضون عليه وكانوا يقولون لقد عاملونا بشكل جيد كما ترى لذلك يجب أن لا نتطرف. كانوا أنفسهم يقولون أنّ استنتاجاتهم عن مواضيع الشيعة والسنة هي أنه يجب علينا أن نحطّ كالنحل على الزهور المختلفة ونأخذ شهداّ من كل زهرة منها، كما ينبغي أن نأخذ الشهد المتنوع من المذاهب المختلفة.
ونحن أيضاً شاهدنا خلال تواصلنا معهم محبة أهل البيت(ع) كما قمنا بزيادتها لديهم وأوصلناها إلى حد الإظهار. من أجل التأثير على مستوى العالم الإسلامي فعلينا في البداية إقامة علاقة مؤثرة. ثانياً أن تنجرّ تلك العلاقة إلى الأنس والعاطفة. بعد ذلك يصل الدور للتبليغ. بدون هاتين المرحلتين لن يكون التبليغ مؤثراً.