مقال للعلامة المحقق الشيخ حسين الراضي يؤكد فيه على أساس الأحاديث الصحيحة عن أهل البيت عليهم السلام أن الكعبة أشرف من كربلاء في نظرهم وأن كل تلك الروايات التي تستصغر من شأن الكعبة المشرفة بذريعة تعظيم كربلاء هي روايات مدسوسة على الشيعة
♦ربما البعض يطرح أفضلية كربلاء المقدسة على الكعبة المشرفة تمسكاً ببعض النصوص الموجودة في بعض المجاميع الحديثية ظنا منه أنها تجدي نفعاً وهي لا تسمن ولا تغني من جوع ، بل والأمر خطير وخطير جداً لا مجال لتفصيله الآن ، ولكن بكلمة مختصرة أن هذا العمل ينطوي على عدة إهانات :
1- إهانة أقدس المقدسات عند المسلمين عموماً وعند أهل البيت خصوصاً ألا وهي الكعبة المشرفة قبلة المسلمين .
2- إهانة كربلاء المقدسة فإن من يطاولها بالكعبة المشرفة فقد أهانها .
3- إهانة مذهب أهل البيت عليهم السلام ومن ينتسب إليهم .
4- إهانة الإمام الحسين عليه السلام خاصة التي تشرفت كربلاء به وحمى حرمة الكعبة المعظمة.
♦شرف كربلاء
لا إشكال ولا ريب في شرف كربلاء وقدسيتها وعظمتها وقد دلت على ذلك روايات عديدة ، إلاّ أن هذه القدسية لا يمكن لها أن تضاهي الكعبة المشرفة ، شرفاً وقدراً من جميع النواحي ، وعند دراسة النصوص والرويات الدالة على أفضلية كربلاء وعظمتها على الكعبة ، نراها قاصرة سنداً ودلالة على إثبات هذه الأفضلية
♦المجموعة الأولى : ما دلت على شرف كربلاء وعظمتها وقدسيتها قبل شهادة الإمام الحسين عليه السلام ، وبغض النظر عن شهادة الإمام الحسين عليه السلام عليها .
♦المجموعة الثانية : الروايات الدالة على أفضلية كربلاء وقدسيتها ، باعتبار تضمّنها جسد الإمام الحسين عليه السلام مع صحبه الكرام الذين ضرجوا بدمائهم على بوغائها ، فنالت أرض كربلاء الأفضلية والقدسية والشرف ، من شرف الإمام الحسين عليه السلام وعظمته ، ولابد من دراسة كلتا المجموعتين من هذه الروايات :
المجموعة الأولى : أفضلية كربلاء قبل شهادة الإمام الحسين عليه السلام :
إذا تتبعنا الروايات والنصوص التاريخية ، نجد مجموعة من هذه الآثار ، تتحدث عن أفضلية كربلاء وشرفها على الكعبة قبل شهادة الإمام الحسين عليه السلام ، وأن عظمتها وقدسيتها ليس له ربط بما سيحدث عليها في المستقبل ، ويمكن أن نجد ذلك فيما يلي :
من هذه المجموعة الرواية المرسلة عن أبي الجارود قال : قال علي بن الحسين عليه السلام :
( اتخذ الله أرض كربلاء ، حرماً آمناً مباركاً ، قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً ، بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنه إذ ا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيرها ، رفعت كما هي بتربتها ، نورانية صافية ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة ، لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون ، -أو قال : أولو العزم من الرسل - ، وأنها لتزهر بين رياض الجنة ، كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشي نورها أبصار أهل الجنة جميعاً ، وهي تنادي أنا أرض الله المقدسة ، الطيبة المباركة ، التي تضمّنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ) وغيرها من هذه الروايات .
الجواب :
هذه الرواية من جهة السند مرسلة ، ومن جهة المتن لا يمكن قبولها وذلك :
1- أن دحو الأرض وبداية خلقها كان من تحت الكعبة .
2- أن الكعبة قد بنتها الملائكة وقد طافت بها قبل خلق آدم .
وعلى فرض ثبوت هذه الرواية لا تدعو إلى أفضلية كربلاء على الكعبة كما قال به الحر العاملي .
المجموعة الثانية من الروايات :
منها رواية عمر بن يزيد بياّع السابري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
( إن أرض الكعبة قالت : من مثلي وقد بُنِي بيت الله على ظهري ، ويأتيني الناس من كل فج عميق ، وجُعلت حرم الله وأمنه ، فأوحى الله إليها أن كفي وقرّي فو عزتي وجلالي ، ما فضل ما فضّلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء ، إلاّ بمنزلة الإبرة غمست ( غرست خ ل ) في البحر فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة كربلاء ما فضّلتك ، ولولا ما تضمنّته أرض كربلاء لما خلقتك ، ولا خلقت البيت الذي افتخرت به ، فقرّي واستقرّي وكوني دنيّاً متواضعاً ذليلاً ، مهيناً ، غير مستنكف ، ولا مستكبر لأرض كربلاء ، وإلا سُخت بك ، وهويت بك في نار جهنم ) .
وفي نسخة طبع النجف : ..وقد بنى الله بيته …وكوني ذنباً … وإلاّ مسختك وهويت بك …
وهذه الروايات رواها أبو القاسم جعفر بن قولويه المتوفى 368 هـ في كامل الزيارات .
وكل من تأخر عنه نقلها عنه أو ترجع الأسانيد إلى أسانيده . وهذه الروايات وأمثالها اللاتي تنال من شرف الكعبة وعظمتها كلها روايات بين ضعيفة السند أو مرسلة أو مجهولة .
والجواب عنها :
1- هذه الرواية ساقطة سنداً ومتناً ، أما من حيث السند فهي ضعيفة بأكثر من شخص من الضعفاء .
وأما من حيث المتن :
فساقطةٌ أيضاً : لأن هذه المحاورة بينهما أو بين الله من طرف وبينهما من طرف آخر من السخافات ، والقصص الخيالية ، وهذه الرواية تصطدم :
مع القرآن الكريم الذي ذكر أن الله شرف الكعبة ، وقدسها ، ودحى الأرض من تحتها ، وجعلها أول بيت وضع للناس ، فكيف يقول المولى لها تكون ذَنباً (أو دَنيّا ) متواضعاً ذليلاً مهيناً ، فلا إشكال أن هذه الرواية مكذوبة على لسان الإمام الصادق عليه السلام .
معارضة هذه الروايات للقرآن :
في مقابل هذه الروايات الآيات القرآنية التي تحدثت عن الكعبة والمسجد الحرام والحرم ومكة وبكة وبقية المشاعر التي دلت على قدسية هذه الأماكن ولو لم يكن إلا آية واحدة لكفت كيف والآيات عديدة .
كما يقابلها عشرات الروايات الصحيحة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة في تعظيم الكعبة المشرفة ومكة المكرمة وبقية المشاعر الإلهية ويؤيدها الأخبار الكثيرة التي تتجاوز حد الإحصاء في هذا الجانب .
القاعدة في قبول الحديث عدم مخالفته للقرآن :
أي حتى لو كانت الأحاديث صحيحة السند من حيث الصناعة العلمية فإنه لا يمكن قبولها إذا لم تصمد أمام القرآن الكريم الذي أمرنا بعرض الروايات عليه فكل ما يناقض القرآن منها فهو زخرف لم يقله الأئمة عليهم السلام .
فقد عقد الشيخ الكليني في كتاب الكافي ج1 ص69 باب تحت عنوان ( باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ) جاء فيه :
1- عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه ) .
2- عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : وحدثني حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا تثق به ؟
قال : ( إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وإلا فالذي جاءكم به أولى به ) .
3- عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ( كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) .
4- عن أيوب بن راشد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف ) .
5- جاء في الصحيح عن هشام بن الحكم وغيره ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خطب النبي صلى الله عليه وآله بمنى فقال : ( أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ) .
فلا يمكن قبول مثل هذه الروايات القادحة في الكعبة حتى ولو كانت صحيحة السند فكيف وهي روايات ساقطة سنداً ومتناً .
وقد أشار إلى كثرة ما ورد من مسائل في الحج والمشاعر زرارة بن أعين كما في وسائل الشيعة - للحر العاملي ج11 ص12 ح14118 ( طبع آل البيت ) .
عن بكير بن أعين ، عن أخيه زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلني الله فداك ، أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني ، فقال : ( يا زرارة ، بيت حج إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفتي مسائله في أربعين عاماً.
♦الإمام الحسين وحماية الدين
كما تقدم أن الإمام الحسين عليه السلام إنما ثار وأقدم على الشهادة لأجل حماية الدين وترسيخ العقيدة وحماية المقدسات الإسلامية والشعائر الإلهية وبذل كل ما يملك في الوجود بما فيه دمه الزكي الطاهر رخيصا لله ولدينه الحنيف فقال عليه السلام : ( ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك ) فصفاء الدين وتنقيته من الشوائب وإرجاع الأمة إلى الإسلام المحمدي النقي والتمسك به وتطبيقه هو هدف الإمام الحسين عليه السلام من ثورته ، وكل ما يخالف ذلك فهو ضد ثورته الإصلاحية الرشيدة.
♦الكعبة عنوان الدين
1- روى الشيخ الكليني والشيخ الصدوق بسند صحيح عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : ( لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة ) .
فهذه الصحيحة تدل بكل وضوح على أن قيام الكعبة ووجودها ولو ظاهرياً ، وارتباط المسلمين بها في صلاتهم وطوافهم حولها في حجهم وعمرتهم والتوجه إليها في ذبيحتهم ودعائهم ، هو قيام لله وارتباط بالله سبحانه وتعالى ، وهذا الارتباط هو مظهر من مظاهر قيام الدين على وجه الأرض ولو من حيث الشكل ، فتصبح الكعبة أهم عامل من عوامل قيام الدين .
2- جاء في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله ( البصري ) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ ناساً من هؤلاء القصاص يقولون : إذا حج رجل حجة ، ثم تصدق ووصل كان خيراً له ، فقال : ( كذبوا لو فعل هذا الناس لعطل هذا البيت ، إنّ الله تعالى جعل البيت قياماً للناس ) .
قال الطبرسي : لما ذكر سبحانه حرمة الحرم ، عقبه بذكر البيت الحرام ، والشهر الحرام فقال :﴿جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾ أي جعل الله حج الكعبة أو نصب الكعبة ﴿ قِيَامًا لِّلنَّاسِ ﴾ أي لمعايش الناس ومكاسبهم لأنه مصدر قاموا ، كأن المعنى قاموا بنصبه ذلك لهم فاستثبت معايشهم بذلك ، واستقامت أحوالهم به ، لما يحصل لهم في زيارتها من التجارة وأنواع البركة ، ولهذا قال سعيد بن حبير : من أتى هذا البيت يريد شيئاً للدنيا والآخرة أصابه ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام .
وقال ابن عباس : معناه جعل الله الكعبة أمناً للناس بها يقومون أي يأمنون ولولاها لفنوا وهلكوا وما قاموا ، وكان أهل الجاهلية يأمنون به فلو لقي الرجل قاتل أبيه وابنه في الحرم ما قتله .
وقيل إن معنى قوله ﴿ قِيَامًا لِّلنَّاسِ ﴾ أنهم لو تركوه عاماً واحداً لا يحجونه ما نوظروا وأن يهلكوا . عن عطاء .
ورواه علي بن إبراهيم عنهم عليهم السلام قال : ( ما دامت الكعبة قائمة ويحج الناس إليها لم يهلكوا ، فإذا هدمت وتركوا الحج هلكوا ) .