عامة الناس تتخذ القادة المركزيين أسوة لها. فمثلاً يؤثر المعلم على ذهن تلاميذه أو رجل دين الحي يؤثر على عقلية أفراد ذلك الحي. مشكلتنا كنخب أو قادة مركزيين هي أننا لم نتصرف على أساس التقارب. لدرجة أن موضوع التقارب الديني قد وصل اليوم إلى مرحلة مقلقة.
*الأستاذ حجة الاسلام ألويري
من أجل التقدم في مشروع الوحدة يجب التركيز على النخب أو عامة المجتمع؟ ما هو نهج أهل البيت(ع) في هذا المجال؟ بأي شكل يجب أن يكون الحوار العلمي بين الشيعة والسنة بحيث لا يؤذي التقارب الديني؟ كيف نشرح للناس المسائل الخلافية بحيث لا تتحول إلى مصدر للخلاف؟ و...
هذه من جملة الأسئلة الهامة التي يحتاج كل ناشط في مجال الوحدة إلى الإجابة عنها. فلنسمع الغجابة على هذه الأسئلة من الدكتور محسن ألويري أستاذ جامعة باقر العلوم في قم:
*موضوع الوحدة تم طرحه إلى الآن على مستوى النخب و تحديداً النخب الدينية ولكن لم يُنظر إلى الوحدة على أنها أمر اجتماعي وعلى أثر ذلك لم يكن لدينا أنشطة ثقافية في هذا الموضوع. برأيكم ما هي الإستراتيجية التي يجب اتّباعها في هذا السياق؟
انطباعي هو أن ليس لدينا مشكلة مع الجماهير، ما هو إشكالي على مستوى نخبوية الموضوع. عامة الناس تتخذ القادة المركزيين أسوة لها. فمثلاً يؤثر المعلم على ذهن تلاميذه أو رجل دين الحي يؤثر على عقلية أفراد ذلك الحي.
مشكلتنا كنخب أو قادة مركزيين هي أننا لم نتصرف على أساس التقارب. لدرجة أن موضوع التقارب الديني قد وصل اليوم إلى مرحلة مقلقة. إذا حُلّت المشكلة على مستوى النُّخب فإن جميع الناس ستّحل مشاكلهم.
أمثلة متنوعة من الشواهد التاريخية وحياة المسلمين الحالية تُظهر أن الجماهير تتعايش فيما بينها ولا مشكلة لديها مع بعضها البعض، فالكبار هم من يقومون بتحريضهم. في مدن مثل أرومية ليس الشيعة و غير الشيعة فقط هم من يعيشون بسلام إلى جانب بعضهم البعض وليس هناك أية مشكلة في علاقاتهم، بل إن المسلمين وغير المسلمين هكذا أيضاً. لذلك يجب الإستثمار على مستوى النخب كيلا ينقلوا اختلافاتهم إلى الناس.
بالطبع لا أريد أن أقول أنه لا ينبغي الإهتمام بهذا الموضوع أبداً على المستوى الشعبي، فمن الطبيعي أن الجماهير في ترددها على بعضها البعض لديها هذا الشعور وهو القيام بإصلاح الإنطباعات السلبية التي تشكلت بالنسبة للآخرين. أن يرى الشيعة مثلاً عن قرب أن أهل السنة محبين لأهل البيت(ع) أيضاً وأنهم كإيرانيين يُبدون اهتماماً بمصير بلادهم، هذا مفيد للغاية بحيث يصحح الإنطباعات الخاطئة و هذا الموضوع هو السبب في أن يرفض الناس التلميحات الكاذبة لبعض النخب والتي تقول أن أهل السنّة مماثلون لأعداء أهل البيت عليهم السلام، و أن يطالبوهم بقول كلمة الحق ويصمدون في وجه نهجهم القائم على الإنقسام.
لكنني أؤكد ثانية أن هذا الأسلوب لا يحلّ جميع مشاكلنا. حل المشكلة يجب أن يكون على مستوى النخب. مستوى النخب في هذا الموضوع له مجالات مختلفة أيضاً، فالقضية ليست في مجال الفقه فقط. بل يجب ان تدخل في مجال الكلام أيضاً وأن يتم تحديد الإختلافات والمشتركات بدقة وعندما يتضح أن الشيعة و أهل السنة متماثلون في أصولهم العقائدية ستتوفر الأرضية لتشكيل الوحدة وهذا التقارب في الكلام سينتقل ليصبح تقارباص في الفقه أيضاً. غير المواضيع الفقهية والكلامية هناك مواضيع أخرى أكثر أهمية. مثل المواضيع السياسية و في أي شيء مصالحنا الوطنية كإيرانيين، وما هو نوع العلاقة التي يجب أن تكون بين المصلحة الوطنية و توجهاتنا الدينية؟ فهل التوجهات الدينية هي الحاكمة على المصالح الوطنية أم العكس؟ حتى أسس و مباديء تعامل أتباع المذاهب فيما بينهم هو موضوع نخبوي يستحق أن تقوم النخب بتعيين حدوده وأن يعّموا ذلك لعامة الناس، حتى لو لم نكن مسلمين، فإن علينا أن نعرف كيف يجب أن نتعامل مع معارضينا.
*ما هي الإستراتيجية التي كان يتّبعها أهل البيت(ع) من أجل إدارة هذه الإختلافات؟
انطباعي العام هو أنه يمكن الإشارة إلى استراتيجيتين:
–الأولى
هي أن السياسة العامة لأهل البيت(ع) في مواجهة أهل السنة هي أنهم كانوا يشرحون و يبلّغون أنّ مدرسة أهل البيت عليهم السلام وأهل السنة كلاهما عضو من جسد واحد. عضو من جسد واحد ليس معناه عدم وجود اختلاف. تماماً كالعين و اليد لكل منهما استخدام مختلف وهما مختلفان عن بعضهما، لكن و بمقياس أعلى فإنهما في خدمة بعضهما البعض.
–الإستراتيجية الثانية هي إظهار جمال وقوة مدرسة أهل البيت(ع) بحيث أنها تجذب إليها قلوب غير أتباع أهل البيت(ع) أيضاً لا أنها تبعدهم عن تلك المدرسة أكثر وأكثر. بحسب التقارير التاريخية فليس قليل عدد الأشخاص الذين جاؤوا إلى الإمام المعصوم(ع) يحملون البغض في قلوبهم إلّا أن تعامل الإمام المعصوم كان السبب في أن تميل قلوبهم نحوه. على عكس البعض منا اليوم فإننا حتى الأشخاص الذين نحونا بالمحبة نبعدهم عنا بتعاملنا الجاف والحاد.
الجانب الثاني الذي أريد الحديث عنه هو التأكيد على أن وضع الأمة بمثابة المحور وَالتأكيد على تقارب أجزاء المجتمع الاسلامي الكبير ليس معناه التغاضي عن موضوع الدعوة إلى الحق. نحن لدينا هذا الإعتقاد بأن مدرستنا هي الأصح ونحن نرغب بل من واجبنا الدعوة إليه، لكن الإعتقاد بصحة مدرستنا ومكتبنا ليس معناه السعي لفرضه على الآخرين والإساءة إلى الآخرين أيضاً. يجب أن لا نرسم حدّاً بيننا وبين الآخرين وأن لا يدخله أحد غيرنا، على العكس لأننا نعتبر أن هذا الإعتقاد صحيح فعلينا أن نعرّف الآخرين عليه و هذا يتطلب الإنفتاح على الجميع، لا أن يكون سوء تعاملنا عائقاً أمام ميلهم إليه ومعرفته.
كذلك يجب التأكيد على أن الإنفتاح على الآخرين ليس مجرد نهج يقوم على العاطفة. بل يجب التعامل مع البعض بالعقل. ليست العاطفة مشكلة الجميع. في بعض الأوقات يجب تقديم منطق دقيق وعميق.
لذلك يجب عرض منظومة كاملة من الأخلاق والعاطفة والفكر والمنطق يتناسب مع مختلف المواقف. كما أن انطباعي هو أن أهل البيت عليهم السلام قد اتّبعوا تماماً مثل هذه الإستراتيجية.
*ما هي الحلول التي تقترحها ليصل هذا النهج من المستوى النظري إلى مستوى العمل؟ سواء بين المسؤولين أو على مستوى الجبهة الثقافية للثورة.
إن النظريات الكبرى للنظام واضحة في هذا المجال ولا يوجد غموض في ذلك. إن ما يجب علينا عمله تم توضيحه بما فيه الكفاية وبشكل واضح وشفاف في الدستور وفي كلام الإمام وقائد الثورة.
لدينا مشكلة عامة في بلادنا تتمثل بوجود فجوة بين السياسات الكلية للنظام والهيئة التنفيذية للبلاد وهي لا تنحصر في التقارب الديني بل إن هذه الفجوة تطل برأسها في الكثير من الحالات.
في موضوع التقارب الديني أيضاً مشكلتنا الأساسية هي عدم وجود آليات محددة من أجل تنفيذ السياسات الكبرى للبلاد. يجب أن نقبل أن لدينا مصاعب جدّية في هذا المجال.
لكن ما الذي يمكن فعله في هذه الأجواء؟ من الطبيعي أنه لا يمكن وضع يد فوق يد حتى يتم تعريف هذه الآليات بشكل قانوني ومن ثم القيام بالعمل. خاصة و أنه ليس معلوم إن كانت هذه الفجوات القانونية ستُملأ وهل سيتم تحديد وتعريف تلك الآليات. إذا لم تقم المنظمات المعنية بواجبها فإن التكليف لن يسقط عن عاتقنا ولن يصبح الواجب الفردي على الهامش. يعني إن جوابي على سؤالك هو أنه نظراً لأن الدوائر الموجودة لا تقوم بعملها بشكل جيد فإنّ علينا أن نقوم بواجبنا الفردي طبعاً مع مراعاة المقررات والقوانين التي لا تقود المجتمع نحو الإقطاعية. إن للواجب الفردي نطاق واسع أيضاً فهو يضم جوانب سلوكية و كلامية كثيرة. أحياناً يكون هذا الواجب شرح و ترويج التقارب، و أحياناً إجراءات تنفيذية مثل قافلة أرض الأخوّة و أحياناً تعزيز التعاون مثل مؤتمر محاربة التيارات التكفيرية.
*هل يجب أن تسود بعض الأحكام والملاحظات الخاصة على الحوارات العلمية أيضاً؟ كما تزعم المحطات الفضائية أنها تقوم بحوار علمي، على شكل مناظرة. برأيكم كيف يجب أن تكون الحوارات بحيث تثبت الحق وتدافع عنه وفي الوقت نفسه لا تضرّ بالتقارب الديني؟
هنالك تراث قيّم بين أيدينا في هذا المجال. لقد دوّنت عدة كتب حول آداب المناظرة في الحضارة الاسلامية. بالطبع معنى المناظرة يختلف عن معنى الحوار. يعني المناظرة نوع خاص من الحوار. لأننا حتى الآن لم نمتلك حركة جدّية نحو الحوار العلمي، ولم نشعر بالحاجة إلى تدوين آداب الحوار.
ينبغي أن نحصل على تلك الآداب عن طريق تحليل الحوارات الناجحة والبعض الآخر يجب الحصول عليها بناءاً على التعاليم الدينية وخاصة السيرة المباركة لأهل البيت عليهم السلام فإنها غنية في هذا المجال.
لنقم بتحديد الأسس العقلية و الأعراف الإجتماعية. لقد فرحت كثيراً عندما شاهدت مؤسسة الإمام موسى الصدر لديها هواجس حول آداب وأسس و طريقة الحوار وقد جعلت إحدى مجالات نشاطها هذا الموضوع وقد أقاموا اجتماعات في هذا المجال ولديهم العديد من المنشورات.
صحيح أننا لم نقم بتدوين هذه الآداب، ولكن تدوينها ليس بهذه السهولة. غير تراثنا الإسلامي فإن لدينا تراث إنساني لا بأس به في هذا المجال. كما أن الدراسات الدينية اليوم قد انتشرت بشكل كبير على مستوى العالم كما كُتبت أعمال كثيرة حول الحوار بين الأديان Interfaith dialogue ويمكن الإستفادة بسهولة من هذه التجربة. الفرق بين المناظرة و الحوار هي أنه في الحوار العلمي ومع أن طرف الحوار يعتبر نفسه على حق إلا أنه لا يصرّ على فرض عقيدته على الآخر بل يتطرق فقط للبحث وعرض أفكاره و هدفه أن يفهم الطرف الآخر كلامه ويسعى في المقابل أن يفهم كلام الطرف المقابل، ولكن في المناظرة يكون الهدف التغلب على الطرف المقابل. لذلك فإن جواب سؤالك إيجابي ويجب تدوين أحكام ومقررات للحوار وإذا تمّ تدوين تلك المقررات بشكل جيد فإن ذلك سيكون جواب سؤالك- يعني سيتم تدوين منطق الحوار بطريقة تضمن الدفاع عن الحق دون أن يتأذى التقارب.
*هذه الحوارات ممكنة على مستوى النخب. لكن كيف كيف يمكن شرح العقائد للجماهير بحيث لا يتأذى التقارب؟ كيف يتم شرح المسائل الخلافية بين العوام؟
لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بشكل نهائي ونمطي ضمن سطرين ثلاثة.
أحياناً يجب البحث بتعقل، وأحياناً أخرى يجب الكلام بشكل عاطفي وتحريضي وأحياناً ينبغي التركيب بينهما. الأمر هكذا في هذا الموضوع أيضاً. أحياناً يجب البحث بشكل خطابي وأحياناً بشكل جدلي وأحياناً أخرى بالحوار وأحياناً ينبغي التحدث بالبرهان.
متطلبات البيئات الثقافية مختلفة لذلك فإنها تستدعي أساليب مختلفة. مثلاً أهل السنة في سيستان و بلوشستان يختلفون عن أهل السنة في تركمن صحرا في محافظة جلستان وأهل السنة في محافظة كردستان، كما أن هواجسهم الفكرية والإجتماعية ليست واحدة ولا يمكن اتّخاذ طريقة واحدة في الحوار مع هؤلاء الأعزاء.
كما يوجد هناك أساليب مختلف للطبقات الأخرى. فحاجة ربة المنزل تختلف عن حاجة الفتاة الجامعية و شيخ القبيلة و ينبغي التفكير لكل منها بحل خاص.