التكفير الداعشي عبارة عن مزيج بين تكفير السيد قطب وتكفير الوهابية. كتب سيد قطب كتاب في السجن تحت عنوان «معالم في الطريق». سطر في هذا الكتاب كلاماً حيث وقع ذلك الكلام بعد فترة بين يدي أشخاص لينتج عنه نوع من التكفير الإيديولوجي. مثلاً يقول السيد قطب أن لدينا مجتمعين فقط: مجتمع إسلامي أو جاهلي.
* حجة الاسلام ميثم صفري
«التكفير» كلمة نسمعها كثيراً هذه الأيام. لقد تحول التكفير اليوم إلى قضية جدية في العالم الاسلامي و ليس هناك حل سوى تحديد استراتيجية دقيقة له. لكن انعدام وجود معرفة دقيقة حول التيارات المختلفة كان السبب دائماً لاتّخاذ استراتيجيات تجاههم لم تكن لها نتائج مرضية. لهذا السبب ولمعرفة أنواع التكفير و توضيح الفرق بين التكفيريين أجرينا الحوار التالي مع حجة الاسلام ميثم صفري الخبير في المذاهب الإسلامية حيث طالعنا سابقاً القسم الأول من ذلك الحوار.
وفيما يلي سنتابع القسم الثاني من هذا الحوار.
*كيف هو تكفير جيش الصحابة و جيش جنجوي ؟
تكفير هاتين المجموعتين له جذور في الوهابية وابن تيميه لكن جيش الصحابة وجيش جنجوي لا يكفّر و يقتل الشيعة بسبب الزيارة و التوسل والشفاعة، بل بسبب الإساءة إلى الخلفاء والصحابة. لأنه ونظراً للسّنة الفكرية الديوبندية فإنهم من حيث المبنى يجب أن يكون لديهم نهج صوفي. لذلك فإن مشكلتهم مع الشيعة ليست في الإستغاثة و التوسل. كتب السيد جنجوي في كتابه أن الشيعة يستحقون القتل بسبب إساءتهم للصحابة وخاصة الخلفاء. كما أن بعض متطرفي الشيعة يقومون بأعمال غير لائقة. فسلوكهم ليس السلوك الذي أوصى به أهل البيت(ع). سلوك المتطرفين هو السبب في أن أصبحت نظرتهم للشيعة أكثر تطرفاً. الحل الوحيد لهذا هو العودة إلى مباديء التشيع. إن مبدأنا في التشيع ليس الإساءة. ليست الإساءة إلى مقدسات أهل السنة فقط غير جائزة بل الإساءة إلى مقدسات أي دين آخر أيضاً. أساساً لا يليق بحق الشيعة أن يسيئوا. لمن أساء أهل البيت(ع)؟! حتى لو أردنا أن نقلل من إيمان الطرف المقابل بالنسبة لمقدساته فإن هذا الأمر لا يتحقق بالإساءة. على العكس فإن الإساءة تجعله يتعلق بمقدساته أكثر و يزداد تعصباً لها. و ربما يريد لا سمح الله أن يهاجم مقدساتك.
لذلك ومن أجل مواجهة تكفير هذه المجموعات لا يمكن أن نستخدم معها الإستراتيجية المتخذة لمواجهة التكفير الإرهابي. طبعاً لنقل بين قوسين أن هناك نوع من التكفير ليس له أساس ديني، بل سببه تعصب قومي أو اختلاف سياسي. مثلا عبدالملك ريكي كان يكفّر ويقتل. كان يقتل الزابليين. لماذا؟ لأنه كان لديه هذا الفكر الخاطيء وهو أن الزابليين قد ظلمونا. إن الدافع لقتلهم يختلف عن دوافع الوهابية أو جيش الصحابة. لا يمكن اعتبارهما شيء واحد. هذا عبارة عن تعصب قومي يؤدي إلى القتل.
*تعني أنهم لا يكفّرون ثم يقتلون، بل يقتلون هكذا!
في النهاية القتل له دافع. دافعه قومي. يقتل بسبب الدوافع القومية ولكن لكي يجعل من عمله مشروعاً يلفق له سبباً دينياً.
*ما هو نوع التكفير الذي تقتل به داعش المسلمين؟
التكفير الداعشي عبارة عن مزيج بين تكفير السيد قطب وتكفير الوهابية. كتب سيد قطب كتاب في السجن تحت عنوان «معالم في الطريق». سطر في هذا الكتاب كلاماً حيث وقع ذلك الكلام بعد فترة بين يدي أشخاص لينتج عنه نوع من التكفير الإيديولوجي. فمثلاً يقول السيد قطب أن لدينا مجتمعين فقط: مجتمع إسلامي أو جاهلي. المجتمع الاسلامي يحكم «بما انزل الله». أما المجتمع الذي «لم يحكم بما انزل الله» ؛ «فأولئك هم الكافرون» وهذا هو المجتمع الجاهلي. لقد قال هذا الكلام لكنه لم يتابعه. السيد قطب قال الكليات لكنه لم يخض في التفاصيل.
بعد السيد قطب جاء عبدالسلام فرج وألّف كتاب «الفريضة الغائبة». الفريضة المنسية من وجهة نظره هي الجهاد. وقال لأن مجتمعنا لا يُطبق حكم الله فيه فقد أصبح مجتمع جاهلي ويجب الجهاد ضده. هؤلاء كفّروا الحكومات لكنهم لم يكفّروا أعضاء المجتمع.
ثم جاء صالح سرية و شكري مصطفى و فصّلوا إيديولوجية سيد قطب. يقولون إذا كنا في حكومة «لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون» إذاً ذبائحهم نجسة أيضاً وأهل ذلك المجتمع كافرون. هذا الكلام لم يقله السيد قطب. لذلك ينفصلون عن الناس ويذهبون ليعيشوا في الجبال. وهم أيضاً كانوا يكفّرون الناس لكن لا يقتلونهم. يقولون يجب قتل الحكّام. الأمور تذهب رويداً رويداً نحو التطرف.
إلى الآن لم يتم تكفير الناس ويأتي خالد اسلامبولي من مجموعة عبد السلام الجهادية فيغتال الحاكم المتمثل بأنور السادات. في هذه الأيام تم احتلال أفغانستان من قبل الإتحاد السوفييتي فيذهبوا جميعاً لينقذوا البلد الإسلامي من براثن الشيوعية. أصبحوا يُعرفون بالعرب الأفغان. هنا تشكلت النواة الأولى للقاعدة.
كان أتباع القاعدة مجموعتين. المجموعة الأولى متمثلة بعبدالله عزام و بن لادن وأمثالهم كانوا يعتبرون أن أمريكا هي أولويتهم وليس الشيعة أو بقية المسلمين. أشكل الوهابيون كثيراً على بن لادن وقالوا له لماذا لا تكفّر الشيعة؟ لم يقل بن لادن أنهم كافرون أم لا، قال ليست أولويتنا الشيعة، بل أمريكا. لكن من داخل هذه القاعدة ظهر الزرقاوي الذي كان يكفّر الشيعة. في البداية كان لديه معسكر منفصل عن بن لادن.
بعد حرب أفغانستان جاء الزرقاوي إلى الأردن وقام بتنظيم مجموعته هناك. عُرف هذا التنظيم فيما بعد بداعش. كان الزرقاوي يعتقد أن الأولوية مع الشيعة. لماذا كان يكفّر الشيعة؟«من لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون». يعني نفس المبدأ الذي وضعه سيد قطب. قال أن حكومة العراق كانت بيد السنة لألف عام و نيف (وهذا كذب. صدام لم يكن سنّي بل كان علماني) ولكن أمريكا تواطأت مع الشيعة و أسقطوه ليأتوا بحكومة شيعية- أمريكية.
هذا وجه من تكفير داعش الذي يعود إلى سيد قطب. لكن كونه وهابي فلأننا نرى كم قاموا بتخريب القبور نفس الوهابيين لم يقوموا بتخريب القبور. فهم إضافة إلى زعمهم أن الشيعة حلفاء أمريكا و لهذا السبب هم كفار، فقد كانوا يكفّرون الشيعة بسبب الإستغاثة و الشفاعة والتوسل.
لم يكن يخطر على بال سيد قطب أبداً أن مبناه سيؤدي إلى داعش. لا نستطيع أن نعترض على مبدأ السيد قطب. لكن كان ينبغي عليه أن يحدد هذا الكفر، كفر خروج عن الإسلام أو خروج من الإيمان. لم يفصّل ذلك وهذا ما كان نتيجته داعش الآن.
*في بعض التفاسير الواردة عن سيد قطب لم يتم تكفير الفرد أساساً. فمثلاً حزب التحرير المتأثر بالسيد قطب لا يكفر الحكومة و الأحزاب العلمانية. لكن عندما تسأله أن هذا الشخص ينشط في هذا الحزب فهو كافر أيضاً، يقول لا.
لا يوجد أي دليل لنقول أن السيد قطب قد كفّر المسلمين. في الحقيقة لم يحدد «تكفيراً معيناً». في التكفير غير المعين يقولون من يقومون بهذا العمل كافرون. في التكفير المعين توضع اليد على شخص بعينه و يُقال هذا الشخص كافر. حتى ابن تيميه و على عكس الوهابية قد احتاط في هذا المجال وزعم أنني لم أحدد التكفير. فهو يقول «فلازم المذهب ليس بمذهب» يعني الضرورة الحرفية التي تنتج عن مذهب لا تعتبرها جزء من هذا المذهب إلا أن تقول ذلك لصاحب المذهب و يقبلون هم بتلك المسألة. مثلاً أن تقول لشخص أن الإستغاثة التي تقوم بها تستلزم عبادة غير الله، فإذا قبل فألصق هذه اللازمة بمذهبه و إن لم يقبل فلا تنسبها لمذهبه.
لو وضع كلام ابن تيمية هذا أساساً لكان جيداً. فمثلاً يقول لنا الوهابي أن لازمة تبرككم و استغاثتكم عبادة غير الله. عندما لا نقبل بهذه اللازمة فإنه بحسب مبنا ابن تيميه لا ينبغي أن نكفّر. فمثلاً يقول لنا الدواعش أن اتفاقكم النووي مصداق «لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون». هذه لازمة على حد تعبير الدواعش ولكننا لا نقبل هذه اللازمة. لذلك لا ينبغي أن يكفرونا وفق مبنا ابن تيميه.
بالطبع تتعامل داعش مع القضية بشكل انتقائي! فمثلاً يشاهدون في الشارع لوحة سيارة رقم النجف. يقولون إذاً هذا شيعة، لذلك هو كافر، فيقومون بقتله! حسناً أخبروهم بهذا الشيء فإذا قبلوا به عندها نفذوا حكم القتل!
لذلك في النتيجة يجب أن نقول أنه ينبغي علينا معرفة أنواع التكفير بشكل جيد وأن نواجه كل نوع وفق سياسة خاصة. وإلا إذا قمنا بالتعامل مع جميع الأنواع بشكل غير علمي وكما نتعامل مع الوهابية ولم نتعامل معهم بشكل دقيق فسوف نفشل.