حمولة ...

كان مثيراً بالنسبة لي أنه بهذا المنصب والشهادات و....لم يكن يشبه العسكر أبداً. كان يبدو أشبه بعارف و عابد. عندما كان يرد اسم الرسول (ص) كان ينهض من مكانه! يرسل الصلوات. عندما أردت الخروج من الغرفة كان ينهض من مكانه احتراماً...كان إنساناً عصامياً وغريباً. كان مؤدباً في كلامه و تصرفاته. برأيي كان أستاذاً في كمال الأخلاق الإسلامية.

 

 * حجة الاسلام امين محقق

قندهار أفغانستان

الحادثة تعود إلى الفترة التي أوفدت فيها إلى باكستان كممثل لآية الله المحقق الكابلي زيد عزه وقد حصلت معي هذه الحادثة التي لا تُنسى:

وصلت إلى قندهار أفغانستان عند الغروب وكلما سألت شخصاً أين الفندق؟ كان يقول (نبغم) وأنا لم أكن أفهم ما الذي يقوله...وبينما كنت حائراً في شوارع قندهار وقع بصري على شاب يافع. ألقيت التحية وسألت: "صديقي! وصلت مؤخراً من هرات وأنا أبحث عن مكان أقضي فيه ليلتي." أشار بيده إلى وراء رأسي ولم يتكلف عناء الحديث. نظرت إلى الجهة الأخرى من الشارع كان هناك لافتة مكتوب عليها (فندق ميرويس)!

 

كانت حقيبتي ثقيلة للغاية ومعظم محتوياتها كتب، حملتها على كتفي وبدأت أصعد سلم الفندق بصعوبة...سألت عامل الفندق لاهثاً "هل هناك مكان؟" فأشار إلى الردهة وقال: "ألا ترى يا حاج أن الأصحاب ليس لديهم غرفة وهم جالسون على الردهة؟" قلت: "صديقي أنا لا أعرف هنا والوقت ليل فأين سأذهب؟" أعطاني عنوان فندق آخر...قلت: "صديقي مهما كلف الأمر فإنني سأبقى هنا الليلة!

قال بصوت منخفض: "بإمكانك البقاء مع هؤلاء من طالبان في الردهة؟"

قبلت، احترق قلبه فقال: "اصبر". أشار إلى باب بقربه وقال: "في هذه الغرفة لشخصين، فيها شخص واحد، قد يرضى أن يعطيك مكان". قرع الباب ودخل الغرفة و بعد لحظات خرج وقال: "ابق الليلة في هذه الغرفة وإلى الغد يفرجها الله، سنتصرف."

 

واحد من طالبان

دخلت مع حقائبي فرأيت شخصاً كبيراص في السن أشبه بعمر المختار بلحية كثيفة وكبيرة، بيضاء بالكامل وهو جالس على الفراش يجمع مائدة طعامه، ألقيت التحية فنهض عن فراشه بشكل كامل و ردّ التحية باحترام كأنه يعرفني  ودعاني إلى الضيافة.

ظننت أنه هو أيضاً واحد من طالبان يريد الذهاب إلى الحج. جلست على الفراش الذي كان بجانبه. بينما كان يجمع المائدة قال: "لا بد أنك جائع، ضغط على جرس كان بالقرب من فراشه. عندما دخل عامل الفندق قال له: "أحضر الطعام"....تناولت الطعام. عندما أردت الذهاب لأتوضأ للصلاة أخرج شبشباً من تحت فراشه وقال: "الحمام متسخ للغاية ضع هذه في رجلك كيلا تتنجس."

على أي حال توضأت وعدت إلى الغرفة، كان قد طوى بطانيته عدة طيات مثل مكان الصلاة و فرشها في أرض الغرفة. فقط لم يكن معه حجرللصلاة! وضعت التربة وصلّيت بطمأنينة أكثر من السابق.

بعد الصلاة بدأ الأستجواب:

"من أين أتيت؟

أين تذهب ؟

ما اسمك؟

ما أنت وماذا تعمل؟"

كان الحديث ودّي بالكامل.

أستاذ في كمال الأخلاق الإسلامية

إلى أن قلت:" قد أتيت من كابول وأريد الذهاب إلى كويته في باكستان لرؤية الأفرباء." فقال: "يا للعجب وأنا جئت من كابول أيضاً لأسأل عن أحوال ابني الذي هو جنرال في هلمند. وصلتني رسالة من سائق أنه يأتي إلى قندهار...نفس هذا الفراش الذي تجلس عليه أخذته لابني."

قلت: "اسمي محمد امين"

فقال بسعادة: "كلينا لديه الإسم نفسه، اسمي أيضاً محمد أمين."  

إلى تلك اللحظة كنت أظن أنه طالب أيضاً وغير متعصب. لأنه بذلك العمر الذي يمتلكه بحيث أبدو أصغر منه بكثير كان يتصرف بمنتهى التواضع و الإحترام. كان يتعامل معي بمحبة لم أشاهدها من أحد حتى الآن!

تابع، أنا جنرال متقاعد أكملت دراستي في الإتحاد السوفييتي السابق زمن ظاهر خان... خدمت الوطن أكثر من خمسين عام...فقط في فترة طالبان التزمت المنزل...طلب مني كرزاي التعاون فقلت إن العمل العسكري أصبح صعب علي...كنت في القسم العسكري أعمل كمراقب و..."

كان مثيراً بالنسبة لي أنه بهذا المنصب والشهادات و....لم يكن يشبه العسكر أبداً. كان يبدو أشبه بعارف و عابد. عندما كان يرد اسم الرسول (ص) كان ينهض من مكانه! يرسل الصلوات. عندما أردت الخروج من الغرفة كان ينهض من مكانه احتراماً...كان إنساناً عصامياً وغريباً. كان مؤدباً في كلامه و تصرفاته. برأيي كان أستاذاً في كمال الأخلاق الإسلامية. كان يعرف تاريخ الإسلام بشكل جيد. على سبيل المثال كان ينقل عن الخليفة الثاني ويقول: "ذات يوم لم يكن ابنه يذهب إلى الكتّاب وكان يبكي بأن سروالي ممزق وزملائي في الصف سيسخرون مني بأن أباه خليفة المسلمين و ابنه ممزق السروال عند الركبة. أبي إذا لم تشتر لي سلواراص فلن أذهب إلى المدرسة. فوعده الخليفة أن يشتري له آخر الشهر. لكنه لم يقبل. فاضطر أن يكتب رسالة للخازن أن أعطني راتبي لهذا الشهر أبكر. أعطى الرسالة لابنه ليوصلها إلى الخازن. عندما شاهد الخازن اسم الخليفة كتب تحت خط الخليفة المبارك أدام الله ظل الخليفة، لقد فضيت محتوى رسالتك. لكن أحضر لي يا خليفة المسلمين رسالة من الله مفادها أنك على قيد الحياة حتى آخر الشهر لأقوم وأنا مرتاح البال بدفع راتبك! فأعاد ابنه الرسالة باستياء إلى الخليفة. قرأ الخليفة الرسالة وقال مبتسماً: ولدي صحيح ما يقوله من أين لي أن أعلم أنني أبقى على قيد الحياة إلى عدة أيام أخرى....وهذا يدل بشكل واضح على زهد الخليفة."

مثل أخين

 على أي حال نقل الكثير من فضائل الخلفاء واشتكى من فساد دوائر الدولة وانتشار الفساد. قال: "كان كرزاي يريد أن يعطيني منزلاص في مكريان كابول. من أجل استلامها أخذوا مني رشوة على كل توقيع...إلى الآن فقط لم يكونوا يأخذون رشوة لكنهم الآن تعلموا!"

ابنه الذي كان من المفترض أن يأتي من هلمند لم يأتي لحسن حظي فقضينا مع بعضنا ثلاثة أيام مثل أخين في غرفة واحدة وقد استمتعنا بالوقت كثيراً.

عند الوداع أوصاني وقال: "الوضع ليس جيداً عليك العمل باحتياط. لا تثق بأحد سريعاً. إذا أعطاك أحد شيئا فلا تأكله و...

إذا عرفت شرطة الحدود أنك غريب أو لا تعرف فسيأذوك كثيراً. سيأخذ السائقين منك نقوداً كثيرة. للأسف فأنت لا تعرف اللغة البشتونية أيضاً. في باكستان هناك ثلاث لغات هامة للغاية، الأردو، والبشتون والإنكليزي وأنت لا تعرف أيّاُ منها."...نصحني بمنتهى العطف والشفقة... وفي النهاية جاء معي حتى آخر الشارع. بينما كان عجوزاً وصعود السلالم صعب بالنسبة له لكنه وبالرغم من ذلك أوصل أحد حقائبي حتى السيارة.

هذه الرفقة الأخوية لن أنساها أبداً.

 

 




المستعمل تعليقات