الكفر بمعنى الخروج من الإسلام أو الكفر بمعنى الخروج من الإيمان؟
دراسة الفرق بين التكفيريين- القسم الأول

   * حجة الاسلام ميثم صفري

«التكفير» كلمة نسمعها كثيراً هذه الأيام. لقد تحول التكفير اليوم إلى قضية جدية في العالم الاسلامي و ليس هناك حل سوى تحديد استراتيجية دقيقة له. لكن انعدام وجود معرفة دقيقة حول التيارات المختلفة كان السبب دائماً لاتّخاذ استراتيجيات تجاههم لم تكن لها نتائج مرضية. لهذا السبب ولمعرفة أنواع التكفير و توضيح الفرق بين التكفيريين أجرينا الحوار التالي مع حجة الاسلام ميثم صفري الخبير في المذاهب الإسلامية وفيما يلي سنطالع نص الحوار؛

*هل «التكفير» موجود أيضاً في عقائد الشيعة؟

في البداية يجب أن نناقش عدة كلمات. ثلاث كلمات هامة يجب البحث فيها: «الاسلام»، «الايمان» و «الكفر». سيتضح التكفير بعد شرح هذه الكلمات الثلاث. إجماع العالم الإسلامي تقريباً أن كل شخص نطق الشهادتين فقد دخل في «الإسلام». ومن ينكر الشهادتين فقد دخل في «الكفر».

لكن حول الإيمان جاء في القرآن «يا ايهاالذين آمَنوا آمِنوا بالله»، «آمَنوا» الأول بمعنى الإسلام و «آمَنوا» الثانية بمعنى الإيمان. يعني كل مؤمن مسلم حتماً ولكن كل مسلم ليس مؤمن بالضرورة. سُئل الإمام الصادق(ع) عن النسبة بين الإيمان والإسلام فقال أن النسبة بينهما مثل نسبة الكعبة والمسجد الحرام. كل من دخل المسجد الحرام لم يدخل الكعبة بالضرورة وكل من دخل الكعبة فقد دخل المسجد الحرام بالتأكيد.,

يوجد أحاديث لدى الفريقين تقول مثلاٌ تارك الصلاة كافر. ما نوع هذا الكفر؟ الكفر بمعنى الخروج من الإسلام أو الكفر بمعنى الخروج من الإيمان؟ إذا كان بمعنى الخروج من الإسلام فإن سلسلة من الأحكام تُبنى على ذلك مثل الطهارة والنجاسة وموضوع الزواج والإرث وإذا كان بمعنى الخروج من الإيمان فإلا يُبنى عليه أي حكم من أحكام الخروج عن الإسلام.

للأسف فإن البعض- سواء شيعة أو سنة- بمجرد رؤية الحديث يقوم بتكفير الآخرين. ثم يطبق التكفير بشكل عملي ويقتل الشخص! كما حصل قبل عدة سنوات في إحدى المدن حيث قرأ شخص متدين عدة أحاديث حول الفتيات اللواتي يتاجرن بجسدهن، بعد ذلك قام بتكفيرهن وفي النهاية قام بقتل العديد منهن! وفي المحكمة قام بالدفاع عن نفسه بشكل قوي حيث قال أنني نفذت حكم الإسلام.

هذه المسائل للأسف موجودة لدى أهل السنة وخاصة الوهابية. فبمجرد أن يرى الشخص حديث يقوم بالتكفير. هناك بحث في الأوساط الشيعية وهو هل الشخص الذي لا يقبل ولاية أمير المؤمنين(ع) بلا فصل كافر أم لا؟ معظم علماء الشيعة يقولون أن كفر الشخص الذي لا يقبل ولاية أمير المؤمنين(ع) بلافصل هو كفر عن الإيمان وليس كفر عن الإسلام. وهل أهل السنة مصداق «المؤمن» أم لا هو أمر خلافي وهناك مواضيع مترتبة عليه مثل الغيبة إذا اعتبرنا أن أهل السنة مؤمن فإن غيبتهم غير جائزة والمقدس الأردبيلي يعتبر أن غيبتهم غير جائزة بمعنى أنه يعتبر أن أهل السنة ليس فقط «مسلمون» بل «مؤمنون» أيضاً.

*ما هي منزلة «التكفير» في عقائد أهل السنة؟  

معظم أهل السنة يعتبرون مثل الشيعة أن الشهادتين شرط الإسلام وكل من نطق بهما بلسانه فهو مسلم. لكن بعض التيارات التكفيرية قد تشكلت بينهم. تقوم المجموعات التكفيرية بتكفير جميع التيارات المخالفة لها بما فيها الشيعة وأهل السنة. لكن للتكفير أنواع مختلفة وليس شكل واحد وإذا لم نعرف تلك الفروقات فلن نعرف ما هو نوع العمليات الثقافية التي يجب القيام بها تجاه تلك التيارات ولهذا السبب نرتكب خطأ.

 فمثلاٌ تكفير جيش الصحابة ليس من نوع التكفير الذي تقوم به الوهابية. تكفير هاتين المجموعتين يختلف عن تكفير داعش. لا ينبغي أن نقول ما الفرق، فالتكفير هو التكفير! صحيح أن نتيجة الجميع واحدة فهو يقتل المسلم ولكن لمواجهة ذلك فإننا مجبرون على معرفة وجهات نظر الطرف المقابل بشكل جيد.

الآن أزالت المذاهب الحدود. فالشخص الذي كان في السابق حنفياً و ماتريدياً لا نعرف اليوم حقيقةً على أي تيار هو! مثلاً في السابق كان يوجد في منطقة ما لأهل السنة فكر ثابت ولكن الآن حقيقة لا نعرف إن كان أفراد هذه المنطقة مازالوا على تلك السنن أم غيّروها. عندما يكون الوضع مشوشاً إلى هذه الدرجة فإننا مجبرون على معرفة التيارات بشكل دقيق.

*تكفير الوهابية من أي تكفير؟

الوهابية عادة لا تمتلك شيئاً من نفسها. فالداعم الفكري للوهابية هو ابن تيميه. في أواخر القرن السابع و بداية القرن الثامن طرح ابن تيميه سلسلة من المباديء حيث أصبحت بعد عدة قرون علّاقة للوهابية. قبل ابن تيميه أيضاً كانت تُطرح مواضيع مثل التبرك و الزيارة وبعض أقسام التوسل  في فقه أهل السنة. لكن من أعمال ابن تيمية الهامة هو أنه أخرج هذه المسائل من نطاق «الفقه» و أدخلها في مجال «الكلام». فمثلاً أنت تقوم أمام ضريح الامام الرضا(ع) بوضع يدك فوق صدرك وتقوم بالخشوع والخضوع والتسليم، من الممكن أن يكون ذلك مكروهاً في بعض الآراء الفقهية لأهل السنة أو في النهاية حرام. لكن جاء ابن تيميه و غيّر الأدبيات وقال أنت تخضع و تخشع أمام غير الله فإنت تعبده. لذلك أنت تقول بإلهين إذاً أنت مشرك!

على سبيل المثال الشاه ولي الله دهلوي واحد من كبار الحنفية في الهند حيث تأثر كثيراً بابن تيميه. ومع ذلك فإنه يعتبر هذه المسائل فقهية و ينظر إليها في نطاق الفقه. فهو يقول أن الشخص الذي «يشد الرحال» يعني السفر بقصد الزيارة فقد قام بذنب أكبر من القتل والزنا. لكننا لا نكفّره. بحسب زعمه الباطل فإن شدّ الرحال ذنب كبير ولكنه لا يؤدي إلى كفر الشخص. في الفقه هناك مسألة واحد من الاحكام الخمسة الحرام، الواجب، المكروه، المستحب والمباح. لكن المسألة هل أنا بقيامي بذلك العمل الحرام أصبح كافراً أم لا؟ هنا الموضوع يصبح كلامياً. جاء ابن تيميه و انتزع المسائل الفقهية من الأصل وطرحها في الكلام.

إن انتزاع هذه المسائل من مجال الفقه إلى مجال الكلام قد أدى إلى الشرك والكفر. الوهابية الآن تتمحور حول فكر ابن تيميه. يقول محمد بن عبد الوهاب يا من تعرفون التوحيد جيداً (يقصد كلام الوهابية) وكبرتم معه ولكنكم تمتنعون عن الدخول في هذه المدرسة وقد خرجتم من الولاية وذهبتم نحو ولاية القبة و الضريح، إننا نكفّركم ونقتلكم!لا يقول أنتم قمتم بفعل حرام و أنكم مذنبون. يقول أنتم كافرون.

الأشخاص الذين يطرحون هذه القضايا في مجال الفقهفإنهم يصلون في النهاية من الكفر إلى الإيمان وليس من الكفر إلى الإسلام. فمثلاً شخص شرب الخمر. هذا يؤدي إلى أن لا تُقبل صلاته. لماذا صلاته غير مقبولة؟ لأنه خرج من دائرة الإيمان. لكن الوهابيين لا يخرجونك من الإيمان بل يقولون أنت خرجت نهائياً من الاسلام.

بعض الوهابية مثل محمد بن عبد الوهاب يصدرون حكم قتل الشخص الذي تم تكفيره أيضاً. لكن إذا لم يستطع الوهابيون تنفيذ حكم القتل في الساحة فإما لأنهم لا يقدرون على ذلك أو لأن الأمور السياسية لا تسمح بذلك. والسبب الآخر الخوف من آل سعود. لأن آل سعود يريدون أن يحكموا بلداً فيه شيعة و فيه سنّة معارضون لال سعود. لذلك فإن الأسباب التي يكفّر بها الوهابيون الآخرين هي الإستغاثة، بعض أقسام التوسل والشفاعة ومسائل من هذا القبيل. نطلق على هذا النوع من التكفير التكفير الإعتقادي. في الحقيقة عملي أدى إلى تكفيري ولكن على حد زعمه فإن هذا العمل ناتج عن اعتقاد كافر لذلك يكفّرون الشخص. إن محاربة هذا التكفير يجب أن تكون من جنسه. يجب القول أنك أيها الوهابي بحسب سيرة السلف و الأحاديث صحيحة السند التي تعتقدون بها فإن حكم هذه الأعمال ليس الكفر والكثير من الصحابة مثل عائشة و عثمان بن حنيف كانوا يقومون بتلك الأعمال.