لدينا فرص كثيرة للتواصل مع الديوبندية وطالبان. برأيي هناك الآن فرصة جيدة لنعزز علاقتنا بطالبان. لعدة أسباب، الأول أن طالبان تعارض داعش بشدة. ثانياً أنه بعد موت الملا عمر و مقتل الملا منصور حصل تشتت في صفوف طالبان ومع إيجاد علاقة يمكننا على الأقل التقليل من قتل المسلمين.
* حجة الاسلام مهدي فرمانيان
تنشط التيارات السلفية اليوم في العالم الإسلامي أكثر من أي وقت آخر. فكافة المجالات الدينية، السياسية، العسكرية، الثقافية و الإجتماعية مليئة من هذه المجموعات حيث تحمل قليلاً أو كثيراً من قيم السلفية. نحن باعتبارنا جزء من العالم الإسلامي ودعاة تشكيل الحضارة الإسلامية فإنه لا بد لنا من تحديد نسبتنا مع هذه التيارات. نسبة لا ينبغي أن تكون بناءاً على الضجة الإعلامية، بل يجب تحديدها بناءاً على الأبحاث الواقعية. وقد انتهزنا هذه الفرصة للحوار مع الدكتور مهدي فرمانيان رئيس كلية المذاهب الإسلامية لنتحدث عن إمكانية أو امتناع التعامل مع التيارات السلفية.
*في البداية ولمعرفة التيارات السلفية حبذا لو تقدّم لنا تعريفاً إجمالياً عن السلفية.
لمعرفة السلفية علينا أن نبدأ من كلمة «سلف». فكلمة السلف لدى أهل السنة هي كلمة مقدسة مثل أهل البيت لدى الشيعة. والمقصود منها الصحابة و التابعين. لذلك تم استخدام هذه الكلمة بشكل واسع على مر التاريخ بين أهل السنة.
الكثير من السلف عندما كانوا يصلون إلى المواضيع العقائدية فإنهم إمّا كانوا يقبلونها تعبّداً أو يصمتون تجاهها أو يطرحون حولها كلاماً بسيطاً ومجملاً ويعبرون عنها. يعني في الحقيقة لم يكونوا يدخلون بشكل جدي في المواضيع العقائدية. كما أن كبار السلفية اليوم يؤكدون على أن معظم السلف يتوجهون في المواضيع العقائدية نحو التعبّد والظواهر. أو في الكثير من الحالات إذا لم يعرفوا معنى أمر فإنهم كانوا يفوضونه لله. مثلاً كانوا يقولون أننا نقبل أصل «الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي » ولكننا نسلّم معناه إلى الله.
عندما كان هذا الفكر الظاهري يواجه فكر إيران و مصر واليونان و الأديان الأخرى فإنه لم يكن ليلبّي التطلعات. لقد قصّر أهل السنة في هذا المجال. لذلك توجهوا نحو العقلانية و من هناك ابتعدوا عن الظاهر والتعبّد. تأسست المعتزلة في هذا المجال. وكان إلى جانبهم مجموعة أخرى لا تزال تأخذ بنهج الظواهر وكانت تعارض المعتزلة بشدة. أُطلق عليهم اسم أهل الحديث. في ذلك الوقت لم يكن يُطلق عليهم اسم السلفية. كان هذا الطيف ينهي الناس عن اتباع العقلانيين، والمتكلمين، الفلاسفة، العرفاء والمتصوفة. ظهر هذا الصراع بشدة في القرن الثالث والرابع.
في هذا السياق جاءت مجموعة وأرادوا الجمع بين إفراط العقلانية المعتزلة وإفراطيوا الحديث من أهل الحديث. أحدهم أبو الحسن الأشعري الذي أسس الأشعرية. الآخر هو أبو منصور الماتريدي الذي أسس الماتريدية. كما كان هناك آخرون ولكنهم لم يُعرفوا مثلهما. لقد تحول هذان الإثنان إلى أهم مفكري أهل السنة على طول التاريخ. كما كان الخلفاء يدعمونهما. لكنّ أهل الحديث كانوا يقولون لا تصلّوا خلفهم والذهاب إلى مجالسهم حرام و...
في القرن السابع و الثامن ازدهر الأشاعرة كثيراً حيث كان أصحاب الحديث قد ضعفوا كثيراً، وكبروا كثيراً لدرجة أنهم ملأوا العالم الإسلامي بأسره. في القرن السابع ومع هجوم المغول قُضي تقريباً على المعتزلة. كان أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم و غيرهم من أصحاب الحديث ولكن منزلتهم كانت بمثابة محدّث وليس أكثر. لم يكن لهم من الناحية الفكرية أي تأثير عميق على المسلمين. معظم التأثير كان للأشاعرة مثل الغزالي و فخر الرازي.
في هذه الفترة من الزمن ظهر واحد من نفس طيف أصحاب الحديث اسمه ابن تيميه ولكي يوجه لطمة للأشاعرة و ويعزز أصحاب الحديث قال أن كلام أصحاب الحديث ليس كلامهم، بل هو كلام «السلف» وينبغي علينا العودة إلى السلف وفهم السلف أفضل من فهم الخلف. يعني فهم أهل الظاهر أفضل من فهم الخلف (يعني الأشاعرة). في الواقع كان يجيب على كلام فخر الرازي حيث كان قد قال أن فهم السلف أسلم ولكن فهم الخلف أعلم. لذلك فإننا نختار فهم الخلف من بين هذين الإثنين.
قال ابن تيميه أن فهم السلف أسلم أيضاً وكذلك أعلم. فأتى و أراد أن يثبت ذلك بناءاً على حديث في صحيح البخاري باسم «خير القرون». وبهذا الشكل تأسست في التاريخ مدرسة باسم السلفية. مفهوم ذلك أن كل شخص يعتقد أن فهم أهل الظاهر وتعبّد أصحاب الحديث أفضل من فهم العقلانية التأويلي للأشاعرة فهو سلفي.
* يعني سماحتكم تعتبر أن لابن تيميه علاقة في ظهور مشاكل العالم الإسلامي؟
نعم، لو اكتفى ابن تيميه و وقف عند هذا الحد فلربما لم يكن هناك مشكلة في العالم الإسلامي. في النهاية فقد أُضيفت إلى العالم الإسلامي فرقة باسم السلفية. ولكنه قام بعملين آخرين أيضاً. الأول أنه قام بتغيير أقسام التوحيد والشرك كما قام بتغيير مفهوم العبادة وهذا ما ادى إلى أن تُصبح الكثير من أعمال المسلمين شركاً من نظر ابن تيميه وقال أن هذا الكلام بأن هذا العمل شرك هو كلام السلف. بينما السلف لم يقولوا مثل هذا الكلام أبداً. قال ابن تيميه أن العبادة نهاية المحبة و نهاية الذل و خاصة الله. لذلك كل من قام بمنتهى المحبة و الذلة لغير الله فقد عبد غير الله وهو مشرك.
لذلك فالتوسل، والإستغاثة، والتبرك، والبناء على القبور، النذر، السفر للزيارة، تسمية عبد النبي و عبد الحسين كلها شرك. لأنها تُعتبر جميعها من مصاديق العبادة.
لكن أسوأ أعمال ابن تيميه أنه قال أن هذا ليس كلامي، بل هو كلام السلف. لذلك قام بطرح ذلك الكلام الذي لم يقله أحد في القرون السابعة الماضية و ذلك باسم السلف.
ثالث عمل قام به ابن تيميه أنه قال أن تقليد المذاهب الأربعة حرام. يعني لا ينبغي لأحد أن يقلّد أبو حنيفة و الشافعي و مالك وابن حنبل بل عليه أن يقرأ الكتاب والسنة بنفسه و يجتهد ويعمل.
هذا المواضيع لم تجد لها مكاناً خلال فترة حياته ولكنها توسعت خلال القرنين الأخيرين. معارضة علماء أهل السنة خاصة الأشاعرة في مصر كانت السبب في أن يُلقى ابن تيميه في السجن. هذا الإلقاء في السجن كان السبب في أن يهدأ تلامذته قليلاً مثل ابن القيم و ابن عبد الهادي ويخفضون من سقف كلامهم ويتحدثون بشكل أهدأ. لكن بعد هذين ليس لدينا أي مؤيد لهذا الفكر. لذلك قبل القرن الثامن لم يكن لدينا مذهب باسم السلف بهذه التفاسير. الإهتمام بالسلف كان مهماً ولكن معظم أهل السنة الذين كانوا يحترمون السلف لم يقبلوا بظاهرهم.
لكن في القرن الثاني عشر جاء من أعاد إحياء أفكار ابن تيميه ثانية باسم أفكار السلف. مع ظهور الوهابية في السعودية و دعم آل سعود وبعد ذلك النفط و الدعم الأمريكي فقد توسّع ذلك الفكر. بالطبع تبعثر السلفيون كثيرا و تفرقوا خلال القرنين الأخيرين لدرجة أنهم انقسموا إلى عدة أقسام و قاموا بتكفير بعضهم. لأن لديهم اختلاف في الأسس و كذلك لديهم اختلاف في فهم ابن تيميه و كذلك لديهم اختلاف في التقيّد بتعريف ابن تيميه للسلفية و كذلك في الفقه و الإجتهاد و العبادات. يعني لديهم اختلاف في معظم المواضيع التي طرحها ابن تيميه. لكنهم مشتركون في الكثير من المباحث أيضاً.
إن جميع الأشخاص الذين كانوا نوعاً ما وبشكل قليل أو كثير تحت تأثير أفكار ابن تيميه يُعرفون اليوم للأسف بالسلفية. بينما يجب تسميتهم باتباع ابن تيميه. ولأن كلمة السلف محترمة لدى أهل السنة فإن أفكار ابن تيميه التي لم تكن مطروحة أصلاً بين السلف يتم تقديمها باسم السلف لأهل السنة. كما أن أهل السنة للأسف لا يهتمون بماضيهم و للأسف فإنهم يقبلون تلك الأفكار.
*التيارات الموجودة الآن في العالم الإسلامي معروفة بالسلفية. يعني أنهم يتماشون مع ابن تيميه في الرجوع المباشر إلى القرآن و السنة من أجل فهم الدين لكن ليس لديهم أي انطباع ظاهري عن تلك النصوص كما أنهم يدخلون العقل في فهمها. حبذا لو تقدّم لنا توضيحاً حول هذا التيار وأن تخبرنا إن كان هناك إمكانية للتعامل معه أم لا؟
نحن الآن أمام عدة حركات سلفية. من نقول عنهم أنهم جزء من السلفية أو هم أنفسهم يقولون هذا الشيء ويقبلونه أو الباحثين يقومون بتسميتهم بالسلفيين نظراً إلى مؤشرات من أفكار ابن تيميه كانت موجودة لدى هذا التيار. مع هذا الشرح فإن لدينا عدة حركات أساسية في العالم الاسلامي تعتبر سلفية.
أحد هذه التيارات السلفية هي الوهابية. يبدو أنه لا يمكننا امتلاك أي تعامل و تقارب مع الوهابية الموجودة. ليس بمعنى أننا لا نريد، بل هم لا يريدون. إنهم يعارضون التقارب بشكل كبير وقد سطروا كتباً حول ذلك كما أنهم يقولون صراحة في وسائل إعلامهم أن لا تتقاربوا مع الشيعة. إذاً مهمتنا أن نمنع التقريب.
هذا ما يتعلق بعلماء الوهابية. القسم الآخر هو السياسة. يعني سياسة آل سعود. هذه السياسة التي تأخذ أحياناً منحى تقريبي و أحيانا أخرى تعمل ضد التقريب. هذا يتعلق بأجواء العالم الإسلامي أو بشخصيات حكوماتهم. فمثلاً الملك عبدالله الذي كان قبل الملك سلمان كان لديه روح اعتدال أكثر ولكن الملك سلمان لديه طباع أكثر تطرفاً. وهناك سبب أيضاً. فهذان الإثنان من أب و أم مختلفين. فالملك سلمان قد ترعرع في أسرة كانت متطرفة. كذلك أخاه الملك فهد كان متطرفاً. عندما جاء الملك عبدالله أصبحت الأجواء أكثر اعتدالاً. لكننا لم نسفد من هذه الأجواء بشكل جيد. وفي المجموع هناك إمكانية للتعامل في الأجواء السياسية لكن في الأجواء الموجودة في العالم الإسلامي مثل قضايا سورية واليمن والبحرين وقضية الإتفاق النووي فإن إمكانية التقريب قليلة للغاية. بشكل عام يجب القول أنه ليس هناك إمكانية للتعامل مع الوهابية الدينية ولكن هذه الإمكانية موجودة مع الوهابية السياسية.
التيار السلفي الثاني هو الديوبندية وهم عبارة عن طيفين. معظمهم لديهم إمكانية التعامل خاصة الديوبندية في الهند. فالديوبندية في الهند أكثر اعتدال من الديوبندية في باكستان. لذلك فإن هذه فرصة جيدة ليستثمر مسؤولوا على هذه القضية وأن يتم تعزيز علاقتنا مع الديوبندية. فمثلاً قام مولوي سميع الحق قبل مدة بلقاء سماحة القائد وهذا بنفسه كان السبب في ذوبان الكثير من الجليد وخلق أجواء أفضل بيننا و بين طالبان. لأن سميع عبد الحق معروف بالزعامة الروحية لطالبان. هذه العلاقات يجب تعزيزها. يجب أن نقوم بإحضارهم إلى إيران. يجب الإتيان بهم إلى قم. أنا أعدك إذا قام سميع الحق بزيارة قم و أخذوه إلى عدة مراجع فإن التأثيرات الإيجابية لسفره ستكون أضعافاً. لأن الأجواء السياسية تختلف عن الأجواء الدينية. إذا أخذوه إلى طهران فسيقول أن الأجواء السياسية تتطلب ذلك ويريدون إقامة علاقة. لكن إذا ذهب إلى قم و شاهد أن الأوساط الدينية أيضاً تريد هذا التقارب فإن نظرته للشيعة ستتتحسن كثيراً.
لدينا فرص كثيرة للتواصل مع الديوبندية وطالبان. برأيي هناك الآن فرصة جيدة لنعزز علاقتنا بطالبان. لعدة أسباب، الأول أن طالبان تعارض داعش بشدة. ثانياً أنه بعد موت الملا عمر و مقتل الملا منصور حصل تشتت في صفوف طالبان ومع إيجاد علاقة يمكننا على الأقل التقليل من قتل المسلمين.
تيار سلفي آخر هو حركة الأخوان المسلمين. هذا التيار كان لديه روح التعامل ومازال برأيي الآن لديه تلك الروح. ولكن للأسف فكما أن الأجواء السياسية قد خلقت اختلافاً بيننا و بين السعودية فإنها خلقت مثل تلك الإختلافات بيننا وبين الأخوان أيضاً. لكن برأيي يجب أن يكون لدينا تعامل جدّي مع الأخوان. على الرغم من أنه لدينا بعض الإنتقادات تجاههم لكن لا ينبغي أن نظنّ أنه بسبب بعض الأخطاء لم يعد ممكناً التعامل مع الأخوان. يبدو أن الأخوان المسلمين يمتلكون أكبر القدرات بين التيارات الإسلامية. إذا أردنا أن نعيش في المستقبل بجانب بعضنا فإنه علينا الآن الدخول في تعامل نقدي مع الأخوان. في الوقت نفسه بعد أن نقول الإنتقادات نخبرهم أننا نسعى للتعامل البنّاء معهم.
التيار الآخر هو السلفية الجهادية وهم الآن على طيفين. طيف هو القاعدة و الآخر داعش. تعتبر القاعدة أن أمريكا هي عدوها الأول لكنّ قضية سورية واليمن قد أدت إلى وقوف القاعدة في وجه الشيعة. إذا استطعنا حل المسألة السورية بالمشاورات المكثّفة فإنه يمكن برأيي التعامل مع القاعدة أيضاً. لأن العدو الأساسي لكلينا هي أمريكا. صعب لكنه ليس مستحيلاً.
* وكيف الأمر بالنسبة لداعش؟
لقد جعلت داعش من الشيعة عدوها الأساسي. لذلك يبدو أنه لا يمكن التعامل مع هذا التنظيم بأي شكل من الأشكال ومضطرين لمحاربتهم كما حارب أمير المؤمنين (ع) الخوارج. إلّا إذا رموا السلاح و دخلوا في أجواء التعامل.
النقطة التي يجب الإشارة إليها هي وجود مفاهيم مشتركة بيننا وبين القاعدة و داعش. ولكن للأسف نفس هذه المفاهيم المشتركة هي السبب في حربنا معهم الآن! يبدو أن هذه المفاهيم المشتركة يمكن أن تكون أساساً للتعامل ضمن مشاورات واسعة النطاق. لأن نزاعنا معهم ليس على المفاهيم بل على المصاديق. من هو العدو القريب والعدو البعيد؟ أين يجب أن يكون الجهاد الآن؟ أين دار الحرب ودار الاسلام الآن؟ و... كلها السبب في خلافنا معهم.
إذا استطعنا أن نعرّف الشيعة بهذه المفاهيم بشكل أفضل وأقمنا تعاملاً بنّاءاّ معهم عن طريق الإنترنت فإن باستطاعتنا الوصول إلى هذا الهدف. يجب أن نُفهمهم أنه بقدر ما تحترمون سيد قطب فإننا نحترمه أيضاً. لكنه صعب وأعتبره مستبعداً أن يتم خلق هذه الأجواء من التعامل الآن. في النتيجة فإنه من بين هذه الحركات المختلفة يبدو أن هناك إمكانية للتعامل مع الديوبندية، طالبان، الاخوان المسلمين والقاعدة.
*بعض السلفيين مثل السيد قطب في الرجوع المباشر إلى نصوص الدين الأصلية وقبل أن يرجع إلى الحديث فإنه كان يستند إلى القرآن. برأيك أليس التعامل أسهل مع هذا التيار السلفي الذي يستند إلى القرآن (السلفية القرآنية)- إن صح التعبير؟
لا يمكن تسميتهم بالسلفية القرآنية. فنظرية استحسان القرآن لم تكن مطروحة أبداً بين السلفيين. أنا لا أعرف أي سلفي لديه مثل هذا الرأي. ولكن جميع السلفيين لديهم تشدد خاص تجاه الحديث. لأن الأحاديث على مرّ التاريخ قد تعرضت للتحريف و التزوير بينما القرآن ليس كذلك. وإلا لكانوا جلبوا جميع تلك الكوارث التي أنزلوها بالحديث إلى القرآن! إن تأكيدهم على القرآن في العصر الحالي أكثر من تأكيدهم على الحديث. لأنهم يعتقدون أن بعض الأحاديث لا يمكن أن تلبّي مطالبهم.
إن لدينا مشتركات كثيرة مع السلفيين و حتى مع السلفيين الجهاديين ولكن للأسف علاقتنا بهم محدودة. فإذا استطعنا أن نقيم معهم علاقة فإن الكثير من سوء الفهم بيننا وبينهم سيزول.
*صحيح أن بعض التيارات السلفية قد قامت بتكفيرنا، ولكن من جهة أخرى فإن الإجتهاد الذي يطرحونه قد أدى إلى أن يقوم أمثال محمد عبده بأخذه و العمل عليه ومن ثم تحويله إلى اجتهاد بواسطة العقل. لذلك فإن هذه القضية وبدل أن تجعلهم يبتعدون عنا ستجعلهم أقرب. برأيكم هل يمكن الإستفادة من هذه الفرصة لخلق نوع من التعامل؟
هناك فرص كثيرة جداً للتعامل. أشعر أن التيار السلفي الجهادي من حيث المفاهيم التي يقبلها قريب منا للغاية. مثلاً اجتهادهم قريب جداً من اجتهادنا. نوع الإنتقاد الذي يمتلكونه تجاه التصوف قريب من نظرتنا حول التصوّف. يعني أنهم يجدون أساليب تتمحور حول الأخلاق و نحن كذلك أيضاً. نوع نظرتهم للإستكبار و الإستعمار قريب منا كثيراً. كما أن تطلعات تشكيل الحضارة الاسلامية الجديدة مشتركة بيننا وبينهم. الموقف المتشدد تجاه الاسلام وضرورة تشكيل الحكومة الاسلامية هي جزء مشتركاتنا. ومن الناحية الثوروية فإنهم قريبون منا جداً. هذه كلها غير المشتركات السابقة المتمثلة بالقرآن و القبلة و السنّة.
لكن للأسف و بسبب أن السلفيين قد أخذوا أفكارهم من ابن تيميه فإن استنتاجات ابن تيميه التي تضمر السوء للشيعة و ذلك الحقد الموجود في كتبه ضد الشيعة قد انتقلت إليهم أيضاً. يجب الجلوس و التفكير كيف يمكن أن نفهمهم أننا قريبلون منهم في الكثير من المفاهيم والأفكار. حتى في الأفكار التي نحن بعيدون فيها عن أهل السنة فإنكم قريبون منا فيها. يجب أن نقدّم لهم الشيعة الحقيقية. إنهم يعرفون الشيعة بحسب دعاية الوهابية و آثار ابن تيميه.
*برأي سماحتكم يجب متابعة هذه الحلول المقترحة في إطار السياسة أم في الإطار الفكري؟
برأيي فإن هذا الأمر الآن غير ممكن في الإطار السياسي. يجب أن نتواصل معهم في إطار فكري و ديني و ثوروي و أن نتمكن من تعريفهم بالشيعة كما هم عليه. لكنه صعب للغاية وبعيد. لأن أجواء العالم الاسلامي أجواء عجيبة للغاية كما أن وسائل الإعلام قد سممت الأجواء كثيراً. لقد شاهدت مراراً أنه عندما يأتي سلفي يقبل أفكار ابن تيميه بالكامل إلى إيران و يسمع بعض القضايا عن لساننا و خاصة في قم عن لسان العلماء فإن نظرته إلى الشيعة تتغير كثيراً. على الرغم من أن السلفيين ليست لديهم نظرة جيدة تجاهنا إلا أنهم لا يردون يدنا الممدودة. يمكن الجلوس معهم والحديث و تغيير نظرتهم تجاهنا.
بالطبع يجب مراعاة بعض الملاحظات أيضاص مثل الصوفيين و أهل السنة المعارضين للسلفية كيلا يستاؤوا منا. يجب مراعاة اللباقة ليعلموا أننا لا نتخلى أبداً عن أهل السنة و الصوفيين حتى نتقرب من السلفيين. لكن بسبب مشاكل العالم الاسلامي و أن نتمكن من التقليل من قتل المسلمين فإننا مضطرين لإلقاء نظرة على السلفية أيضاً. يمكن البدء بهذا العمل مع الديوبندية و الأخوان وأن تتسرى رويداً رويداً لبقية المجموعات الأخرى.
*في النهاية هل لدى سماحتكم شيء لتضيفوه .
برأيي ينبغي في هذا المجال تأسيس مركز استراتيجي بحيث يعمل فيه أخصائيون وإقامة جلسات متعددة لحل المعضلات الموجودة بيننا و بين العالم الإسلامي والتفكير جدياٌ بهذا الأمر. لأن الأجواء الموجودة الآن هي ضيف طاريء علينا و سنبتلى بها. كما ترى فإن هذه الأجواء ستطغى علينا حتى 50- 100 عام القادمة. لذلك يجب علينا العمل بشكل أكثر جدية و تنفيذ البحوث لنتمكن من كتابة الإستراتيجية بناءاً على تلك البحوث ونعيّن الحلول بناءاً على تلك الإستراتيجيات. حتى 50 -100 عام القادم فإن هذا الجو المتشنج سيتراجع قليلاً. وإلا إذا استمرينا بالتقدم هكذا واستمر الطرف المقابل بالسير هكذا فإن أجواء العالم الإسلامي ستزداد تشنجاً. لذلك من الضروري تأسيس مركز أبحاث استراتيجي للسلفية.