ضيف برنامجنا التلفزيوني لهذا الأسبوع هو «الشيخ مأمون الرحمة» إمام جمعة المسجد الأموي في دمشق ومن تلامذة الشيخ رمضان البوطي من كبار علماء أهل السنة. الشخص الذي تعرّض للتعذيب على يد التكفيريين و شارف على الموت بسبب نظرته إلى الإسلام و الكلام الذي كان يقوله
* حجة الاسلام فرمانيان
ضيف برنامجنا التلفزيوني لهذا الأسبوع هو «الشيخ مأمون الرحمة» إمام جمعة المسجد الأموي في دمشق ومن تلاميذ رمضان البوطي من كبار علماء أهل السنة. الشخص الذي تعرّض للتعذيب على يد التكفيريين و شارف على الموت بسبب نظرته إلى الإسلام و الكلام الذي كان يقوله. في هذا السياق كان لنا الحوار التالي مع حجة الإسلام مهدي فرمانيان رئيس كلية المذاهب الاسلامية في جامعة الأديان والمذاهب حول التكفير ونظرة أهل السنة إلى هذه الظاهرة، وفيما يلي سنطالع ذلك الحوار:
♦سنبدأ السؤال من هنا فنقول ما هي نظرة وأفكار الشيخ مأمون الرحمة و أستاذه رمضان البوطي حيث لم تكن مقبولة من قبل بعض الجماعات؟
إذا أردنا أن نجيب علي سؤالك بشكل دقيق فعلينا أن نقول أن فكر رمضان البوطي هو فكر أهل السنة الذي كان شائعاً في 700، 800 عام الماضية بين أهل السنّة. فكر معتدل كان يتعاطى مع موضوع التكفير بشكل صارم؛ يعني يقبل تكفير المسلمين فقط في حال تم إنكار ضروريات الدين. و بالتالي فإن هذه القضية كانت موجودة بالنسبة لجميع الفرق والمذاهب المختلفة في العالم الاسلامي-على الرغم من أنه قد يعتقد ببطلان هذه الأفكار- يعتقد أنهم مازالوا موجودين في دائرة الاسلام. ولذلك فهو لا يسمح لنفسه أن يستعمل ضد بقية المسلمين العنف والقتل وبشكل عام قاعدة التكفير. هذا الفكر كان هو الفكر الشائع بين أهل السنة.
♦لكن ما هو الفكر الذي ينتشر في الوقت الحاضر بحيث لا يستطيع تحمّل تلك النظرة الشائعة والنبيلة التي كانت منتشرة لعدة قرون بين أهل السنة؟
برأيي فإنها أكثر من كونها تتعلق بالفكر فهي مرتبطة بالعوامل السياسية والإجتماعية. فمثلاً إذا أجريت دراسة قبل الثورة الإسلامية في إيران فستشاهد أنه بسبب ظلم و فساد الشاه والضغوط النفسية و الروحية التي كانت تمارس ضد المسلمين الثوريين فإن عدّة من شبابنا قد حملوا السلاح وأرادوا شنّ حرب مسلحة مع الشاه، ومن جهة أخرى فإن مجموعة من العلماء منعت مثل هذا التصرّف. فما الذي حدث في تلك الظروف؟ الأستاذ مطهري الذي كان بمثابة الفكر الرسمي و الشائع حيث يحظى بدعم غالبية التيار الشيعي والإمام الخميني قد تمّ اغتياله من قبل مجموعة متطرفة وعلى حد وصفها ثورية من الشباب. لماذا؟ لأنهم يشعرون أن هذا الرجل عائق أمامهم وأنه لن يسمح لهم أن يتصرفوا ما يظنون أنه الصحيح وهو مواجهة الحكومة التي لا يقبلون بها. هذه الأجواء هي ما حدث في سورية بالضبط.
برأيي فإن ذلك الشخص الذي قام باغتيال الشيخ رمضان البوطي أو فعل هذا مع الشيخ مأمون الرحمة ليس لديه أساس ديني. صحيح أنهم يستشهدون بأدلة دينية لكن من أجل إضفاء شرعية على ما يقومون به. لأن الضغوط الثقافية و النفسية والإجتماعية التي تعرض لها هذا الشاب جعلته لا يتحمل شخص سنّي آخر معتدل يبيّن لهم الفكر الرسمي و الشائع لدى أهل السنة. من أجل أن يشعرون أنه يجب القيام بشيء ما الآن ليحصل تغيّر على أرض الواقع. حسنٌ إن مجموعة من الشباب تنتقد نهج العلماء هذا و تشعر أنه يجب عليهم إزالة هذا العائق من طريقهم.
المشكلة التي حصلت في سورية في البداية كانت هي هذه. في الحقيقة السبب الرئيسي لقتل البوطي هي الضغوط الإجتماعية، السياسية، الثقافية التي تؤدي إلى أن لا يقبل الشباب تفسير العلماء الأصيل للإسلام.
في البداية يقولون تفسيرك للإسلام خاطيء وبعد ذلك وبناءاً على عدة آيات و روايات يقدمون تفسيراً جديداً للدين. وكأنهم يبحثون في التاريخ و يبحثون فيعثرون على من يوافق أفكارهم مثل ابن تيميه، محمد بن عبدالوهاب و مجموعات متطرفة من بينها التكفير والهجرة و يتمسكون بهم.
♦هل هذا نهج جديد في العالم الإسلامي؟
لا، على مرّ التاريخ لدينا الكثير من هذه الأحداث. فالأوزبك الذين كانوا في الهند ويريدون محاربة الشاه عباس قد كتبوا رسالة إلى علماء ماوراء النهر وطلبوا فيها أن اسمحوا لنا أن نهاجم الشيعة لأنهم كافرون. أولاً التكفير ومن ثم الحرب. كتب علماء ماوراء النهر رداً على الأوزبك: على الرغم من أن الشيعة أصحاب بدع و منحرفون إلا أنهم مازالوا مسلمين ولا نستطيع أن نحكم بتكفيرهم؛ نحن لا نسمح لكم أن تحاربوا الصفوية.
لكن ما الذي حصل عملياً؟ عندمل رأى الأوزبك أنهم لا يستطيعون أخذ فتوى من العلماء المشهورين توجهوا نحو مجموعة من العلماء المؤيدين لهم والذين ليس لهم مكانة علمية. أول عمل قام به هؤلاء العلماء هو تكفير كبار العلماء الذين لم يرضوا إصدار فتوى بتكفير الشيعة، لماذا؟ لأنهم تصرفوا خلاف ما يشتهون. ثم أصدروا بعد ذلك حكم تكفير الشيعة وبدأت الحرب بين الأوزبك و الصفويين.
لماذا قاموا بهذا العمل؟ لأنهم كانوا يرون أن أولئك العلماء عائق أمام توسعاتهم.
♦كيف يمكن شرح طريقة ونهج التمثيل بالجثث والتعذيب والعنف المفرط؟
هذا العنف كان موجوداً منذ بداية الإسلام حتى هذا الوقت. لكن تقوم وسائل الإعلام اليوم بوصف تلك الأعمال بشكل أفضل.
سأضرب لك مثلاً:
ماذا فعلت زوجة أبي سفيان في حرب أحد؟ أولاص قالت لغلامها: اقتل حمزة. فذهب وفعل ذلك. لكن حقدها لم يهدأ. قالت له مثّل بجثته، ففعل ذلك ولكن حقدها لم يخبو أيضاً، في النهاية أخرجت كبده بأسنانها عساها تخمد الحقد الذي تكنّه له.
للأسف فقد حصلت هذه الأحداث على مرّ التاريخ. إذا تم خلق بيئة وأجواء لشخص ما يتقبّل فيه أي غذاء فكري يقدّم له و يوجدون لديه نهج حاقد –خاصة إذا كان ذلك الشخص يحمل حقداً في داخله- فسيكون هذا خلفية ليقوم بأي عمل أو فعل في سياق تفكيره.
للأسف فإن الوضع الحالي في سورية وفي العالم الإسلامي كله هي على هذا المنوال. الأجواء أصبحت ملوثة لدرجة أن ذلك الشخص يجد في داخله حقداً كبيراُ على الطرف المقابل. فماذا يفعل لإخماد ذلك الحقد؟ أولاً ينتزع له الأظافر ثم يقطع الأذنين ثم يقتله في النهاية لكنه لا يهدأ أيضاً.
هذه القضية لها سجل تاريخي. سلوك الوهابيين مع معارضيهم و الموجود في كتبهم. مثلاً في كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد» و «تاريخ ابن غنام» وهي كتب لهم.
لماذا لم يكن في تلك الأيام حساسية كبيرة تجاه هذا النوع من السلوك حيث وردت جميع تلك المواضيع في الكتب. جرائم مثل: التمثيل بالجثث، بقر بطن الحامل، قتل الطفل الصغير وغيرها، لذلك فإن ما يحدث ليس جديداً.
لماذا أصبح شباب مصر متطرفون إلى هذا الحد؟ بسبب الأعمال الظالمة و المهينة والموجعة التي تعرض لها الإسلاميون في سجون جمال عبد الناصر و السادات. فالشخص الذي يبقى عشر سنوات في تلك السجون ثم يخرج، فإنه مهما فعل وتطرف فإن تلك العداوة لن تنقص، لماذا؟ لأنه يتذكر فترة السجن تلك؛ آثارها على يديه و رجليه وجميع أعضائه لا تسمح له أن ينسى تلك الحادثة، فلا تخمد مشاعره.
♦في الحقيقة وحسب اعتقادك فإن جميع الأحداث التي تقع اليوم هي سياسية و اجتماعية و ليس التكفير في الوقت الحاضر مسألة دينية بأي شكل من الأشكال؟
نعم. لكنهم يستغلون المذاهب أبشع استغلال حتى يضفوا الشرعية على أعمالهم. على سبيل المثال عندما أجروا لقاءاً مع ذلك الشخص الذي قتل ماموستا شيخ الإسلام في كردستان فهموا أن ذلك الشخص كان مؤمناً، كان يصلي الليل، يقرأ القرآن، سألوه لماذا قمت بذلك العمل؟ فقال أنني كل يوم كنت أنزل فيه إلى الشارع أشاهد نساء غير محجبات؛ كنت أرى الظلم والتعدّي في المجتمع. لم أستطع تحمل ذلك. جلست في المنزل عاماص كاملاص أفكر من هو المسؤول عن هذه الأحداث؟ ففهمت أنهم رجال ديننا الذين لا يقومون بأي عمل إصلاحي لذلك فإنهم بالتأكيد راضون عن هذه الأفعال. ذهبت واشتريت أسلحة وقلت في نفسي يجب أن أمسح هذا الشخص عن وجه الأرض. هذه قصة مريرة بالفعل لكن عندما ننظر إليها بدقة نفهم أن ذلك الشخص كان يحاول خلق مبرر لفعلته.
فسماحة شيخ الاسلام لم يكن يصرخ في كلامه أن اعملوا بالإسلام؟! لكن لا يمكن إجبار الناس. هذا الفكر الجديد يقول: يجب أن نعطي الإسلام بالقوة للشعوب.
نحن في بلدنا لدينا تجربة أيضاً؛ عندما أردنا أن نحل قضية في المجتمع بالقوة والإجبار كنا نحصل على نتيجة عكسية، لكن في المكان الذي تم التعامل مع المشاكل بعمل ثقافي و ناعم حصلنا على نتيجة أفضل. في الواقع أول خطوة شرح هذا الموضوع للناس، لأن الكثير من الأعمال التي نقوم بها باسم الإسلام هي في الحقيقة ضد الإسلام.
♦نظراً للأجواء السائدة في العالم الإسلامي، ما هي الوصفة والحل الواقعي الذي يمكن تطبيقه على أرض الواقع ليعود المسلمين إلى قوتهم السابقة؟
بحسب العبارات التي ذكرتها يجب أن أقول أن هناك حل، لكن هل هذا الوضع السائد في العالم يسمح بتحقيقه، أنا شخصياً لست متفائلاً.
لكن الحلول ليست بيدي ويدك لكن يمكن لنا بدورنا أن نكون مؤثرين.
أولاً: هل حقيقة سيرفع قادة و ملوك العالم الإسلامي يدهم عن السلطة.
ثانياً: هل حقيقة أن علماء العالم الإسلامي أصبحوا قريبين من بعضهم. هل ينقلون بشكل متواضع مشاكل العالم الإسلامي. وهل يسعون لحل تلك المشاكل. إنهم لا يقومون بوزن الأمور ليروا أن ترجيح المصلحة هو في الواقع ضد مصلحة الإسلام.
فمثلاً عندما يريد علماء الشيعة الحديث عن علماء أهل السنة في صف أو في أي مكان آخر؛ فليتحدثوا بطريقة لا تجعل مخاطبهم يشعر بالحقد تجاه الطرف الآخر. .
في كل مكان شعروا أن هناك تهمة و كذب يتم نسبته إلى أي مذهب، فليقولوا بجرأة و شهامة أن الأمر ليس كذلك وهذه التهمة الموجهة ضد ذلك الفكر ليست صحيحة.
ثالثاً: يجب أن نضاعف من قدرة تحملنا للآخرين. نقبل أن ذلك الفكر خاطيء لكن لنقبل أننا نعيش بجانب بعضنا ولدينا حياة مسالمة.
رابعاً: يجب على ملوك العالم الإسلامي التوجه نحو الإسلام الواقعي والمعتدل، كيلا يشعر ذلك الشاب أنه مع وجود تلك المشاكل يجب علي أن أحلّها عن طريق السلاح.
الآن قل لي أنت هل هذه الحلول ستصبح عملية؟ أنا شخصياً أعتقد أنه مع هذا الوضع الذي نحن عليه فإن الحروب والدماء ستزداد. سيحارب المسلمون بعضهم كثيراً حتى يتعبوا، عندها سيتحاورون فيما بينهم. لكن ذلك الزمن سيأتي عندما لم يعودوا يملكون شيئاً! لامال، لا نفط، لا إقتصاد ولا قوة. فالإستعمار و أمريكا هم من وضعوا هذه الخطة المستقبلية...فرق تسد! فكلما ساء وضع الإسلام كلما أصبح وضع الغرب وأمريكا أفضل. لكن إذا رفعنا نسبة تحملنا للمعارضين 10 بالمائة فقط فإن الكثير من القضايا ستُحل.