الإمام موسى الصدر واحد من الزعماء الفريدين والمنادين بالوحدة حيث اختفى في 31 أغسطس 1978 في ليبيا أو بعبارة أخرى تم اختطافه. بمناسبة الذكرى السنوية لاختطاف هذه الشخصية العظيمة في مجال الأنشطة الثقافية والدينية والسياسية ...والذي كان شخصية عالمية عابرة للمذاهب، لذلك سنشير بشكل مختصر إلى بعض أسباب نجاحه.
الإمام موسى الصدر واحد من الزعماء الفريدين والمنادين بالوحدة حيث اختفى في 31 أغسطس 1978 في ليبيا أو بعبارة أخرى تم اختطافه. بمناسبة الذكرى السنوية لاختطاف هذه الشخصية العظيمة في مجال الأنشطة الثقافية والدينية والسياسية ...والذي كان شخصية عالمية عابرة للمذاهب، لذلك سنشير بشكل مختصر إلى بعض أسباب نجاحه.
الف ) العمل والسعي المستمر
كان يتواجد دائماً في مجالات الخدمة والعمل بمنتهى النشاط والحيوية. كان يقضي كل يوم ثمانية عشر ساعة وأحياناً أكثر في العمل المفيد دون أن يشعر بأدنى تعب. كان لديه على طول الطريق (من مدينة صور إلى طرابلس) التي تبلغ 160 كيلومتر برامج لقاءات و خطب واجتماعات و مراودات علمية. إن اتصاله بمختلف طبقات المجتمع كان كبيراً لدرجة لا يمكن تصورها. كان يخرج منذ الساعة 7 أو 8 صباحاً من المنزل ولا يعود إلى المنزل حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل. أحياناً كان أصدقاؤه و زملاؤه يدعونه للإستراحة فكان يجيبهم: «أنا مُبتلا، ليس أمامي حل، لا أستطيع أن أشاهد مشاكل الناس ولا أهتم...."
ب ) الإبتكار في الخطاب
كان لدى الإمام موسى الصدر إلمام كامل ومعرفة تامة بجميع الأسس والمباديء الإسلامية من بينها الفقه، والفلسفة، والتفسير، والكلام، والأدب، والشعر والعرفان. وكان يطرح تلك المواضيع بمساعدة ذوقه الرفيع بحلة جديدة ويعرضها على الناس والشباب. أحد الشخصيات الثقافية اللبنانية تقول عنه: «كان كلام وسلوك الإمام الصدر جديد للناس وجذاب وكل ما كان يطرحه كان جديداً. لقد قدم لهم الإمام الصدر ربّاً جديداً لم يكونوا يعرفونه حتى الآن. قدّم لهم محمد(ص) جديد لم يكونوا يعرفوه حتى الآن...حتى ذلك الوقت وكلما كان يتم الحديث عن الله كانت تستخدم نفس الرؤية و التفاسير الكلاسيكية القديمة لكن...الله الذي كان يجري على لسان موسى الصدر غير الله الذي كان يجري على لسان الآخرين.»
ت ) العثور على أصل المشكلة
لم يكن ينظر أبداً في المشاكل والقضايا الإجتماعية تحت تأثير الظواهر والتقييمات السطحية والظاهرية. لكنه كان يهتم أكثر بإيجاد جذر المشكلة من خلال التأمل فيها تماماً كما فعل في البحث العلمي حول أسباب تخلف المسلمين حيث جعل من هذا الأصل ملاكاً. عندما عرف الإمام موسى الصدر جذور فساد وانحراف الشباب و الشيعة اللبنانيين حق المعرفة قام بمعالجتها كالطبيب الحاذق.
في البداية قام بمصالحتهم مع تاريخهم و ثقافتهم و دينهم وعرّف لهم القيم و ما يعارض القيم.
شرح لهم كرامة الإنسان ورسالته ومنزلته الرفيعة. أذلّ العدو وحقّره أمام عيونهم المندهشة وبعد فترة قصيرة صنع من أولئك الشباب رجال فولاذيين رفيعي الهمّة، وصنع منهم مدرسة و حزب الله حيث يتغنى العالم اليوم بملاحمهم.
ث ) الإيجابية
من الأسباب الأخرى لنجاح الإمام موسى الصدر نفسيته الإيجابية تجاه الظواهر الإجتماعية الجديدة.
أصبح الإمام موسى الصدر من بين الشخصيات النادرة حيث كان يتحلى دائماً بموقف قوي و إيجابي تجاه الظواهر الإجتماعية الجديدة.
وفي الوقت نفسه كان يدرك تماماً الجوانب السلبية و المدمّرة لتلك الظواهر، وضمن التحكم بتلك الجوانب كان يحاول الإستفادة من نقاط القوة والنقاط الإيجابية لتلك الظواهر من أجل نمو و ازدهار المجتمعات الاسلامية. كان جزءاً من عدة طلاب أو من أوائل الطلبة الذين وضعوا قدمهم للمرة الأولى في الجامعة. في الوقت الذي لم يكن أحد يتجرأ في الأوساط الدينية أن يقرأ مجلة أو جريدة قام بالتعاون مع أصدقائه بإطلاق مجلة مدرسة الإسلام.
في بداية الستينات عندما قرر مصطفى العقاد مخرج فيلم محمد رسول الله (ص) إنتاج هذا الفيلم قامت معظم الأوساط الدينية في لبنان وإيران و العراق وجميع الدول الاسلامية أعم من الشيعة والسنة بمعارضته معارضة شديدة. في هذا الخضم كانت الشخصية الدينية الوحيدة التي لم تعارض ذلك وقامت بتشجيع المخرج وإضافة إلى ذلك قام بالتعاون معه تعاوناص لصيقاً كان الإمام موسى الصدر. وفي النهاية تم تزيين هذا الفيلم التاريخي بتوقيعه وختمه. كان يعتقد أن العدو يستخدم اليوم الفن السابع لغزو المعسكرات الثقافية للإسلام ويمارسون ذلك بمنتهى النذالة، ونحن أيضاً علينا أن نستفيد من هذه الحربة ونتموضع في هذا الخندق وننهض لمحاربتهم بالإستفادة من هذا الفن المقدس. في غير هذه الحالة سنبقى دائماً مغلوبين في هذا المجال.
ج ) الإستفادة من القدرات
هذه الإيجابية أعطته القدرة و الكفاءة ليتمكن من التعامل مع جميع المجموعات والشخصيات المختلفة التي قد يكون لديها أحياناص تفاوت في الأذواق و الأفكار، و أن يجمعهم في مكان واحد ويستفيد من نقاط قوة و قدرات كل واحد منهم في سياق توحيد الخلفية بالنسبة لأهدافه وتطلعاته المقدسة. إضافة إلى المجلس الأعلى وحركة المحرومين و حركة أمل التي كانت محور نشاطاته، قام بتشكيل أوساط و منظمات فرعية أخرى وبمناسبات مختلفة ليضم فيها بعض رجال الدولة، رؤساء العشائر والقبائل وليستفيد منهم عند الحاجة.
ح ) التواصل مع الناس والقادة
إضافة إلى علاقة الإمام موسى الصدر الوثيقة مع الناس فإنه كان يؤمن إيماناً كاملاً بقوة الناس وكان يعتبر أن دورهم مهم و فعال للغاية، وكان يعتقد أنه يجب مناقشة كل شيء مع الناس بشكل صادق. وفي الوقت نفسه لم يغفل عن إقامة علاقات مع قادة و مسؤولي لبنان و بقية الدول الاسلامية وغير الاسلامية. وإضافة إلى الشخصيات السياسية فإنه كان يقيم علاقات قوية مع الشخصيات العلمية والدينية مثل الشيخ محمود شلتوت، الشيخ محمد غزالي. بحيث كانوا يعتبرون من حلفاء الإمام موسى الصدر المقربين.
على الرغم من هذه العلاقات القوية جداً مع كبار الشخصيات السياسية، والعلمية، والثقافي والدينية فإنه لم يكن يراها كافية أبداً. وكما كان يعتبر أن الغفلة عن الناس هي أمر خاطيء ومحبط للغاية، فإنه كان يعتبر أن الإعتماد على الناس دون الإهتمام بالقادة والشخصيات الكبيرة غير كافي وكان يعتقد أن الوصول إلى التطلعات الإسلامية الكبرى والنصر النهائي يتطلب وضع هذين الأمرين بجانب بعضهما.