لقد أقامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ البداية وبناءاً على رسالتها الحضارية علاقات مع إسلاميي أهل السنة واستمرت حتى عدة عقود لكن بسبب الأحداث في سورية تعرضت تلك العلاقات إلى توتر شديد
سعدالله زارعي
لقد أقامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ البداية وبناءاً على رسالتها الحضارية علاقات مع إسلاميي أهل السنة واستمرت حتى عدة عقود لكن بسبب الأحداث في سورية تعرضت تلك العلاقات إلى توتر شديد. هذه الإختلافات كانت السبب في أن يقوم البعض من الطرف المقابل بإلغاء مشروع التقريب مع الشيعة من برنامجهم بشكل كامل، ويقوم البعض في هذا الطرف بالقرع على طبل عدم فائدة التعاون مع الإسلاميين السنة. هذا التحدّي مهم للغاية لدرجة أن أية مواجهة له ستبقى لعقود طويلة. لهذا السبب التقينا مع المحلل السياسي الشهير الدكتور سعد الله زارعي لنناقش هذا الموضوع معه.
*بعد القضايا التي عصفت بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة- خاصة قضية سورية- التي تسببت في وقوف التيارات الإسلامية في وجهنا تكونت فكرة تعتقد أنه ليس بالإمكان التعامل مع التيارات الإسلامية لأهل السنّة وأن جميع الجهود التي بُذلت من أول الثورة كانت خاطئة في هذا المجال. ما هو رأيكم حول هذا الموضوع؟
إن سؤالك هذا يجب أن يتحول إلى سؤال آخر سنجيب عليه أولاً وهو هل يوجد في الأساس فرصة للتعاون والتقارب بين الإسلام الشيعي والإسلام السني أم لا؟
الشيعة اليوم و أهل السنة اليوم لديهم جذور تاريخية و كلامية وعقائدية. لكي نجيب على هذا السؤال يجب الإهتمام بهذه النقاط. إذا ألقينا نظرة على الأسس والمباديء لرأينا أن الشيعة والسنة لديهم اختلاف أقل حول رسائل القرآن الكريم. كما أن الإختلاف في تفسير الآيات ليس مختصاً بالخلاف بين الشيعة والسنة.
القضية الثانية هي أن الشيعة والسنة ليس لديهم خلاف في الرأي حول الرسائل الروحية للإسلام. النظام الأخلاقي- المعنوي الذي يؤكد عليه القرآن و رسول الإسلام(ص) محل اتفاق الشيعة والسنة.
القضية الثالثة تتعلق بالرسائل. فالشيعة والسنة مشتركون حول رسائل الدين الإسلامي. لا خلاف أن الإسلام دين عالمي ولديه رسالة عالمية. أو ليس هناك اختلاف بين الشيعة والسنة حول أن الإسلام قد بنى حضارة.
القضية الأخرى حول الكفار الذين وقفوا ضد الإسلام. إن مصاديق الكفار في الماضي والحاضر واضحة للمسلمين. لذلك لدينا أعداء مشتركين ومواقفنا مشتركة حول العدو المشترك.
في مجال الفقه أيضاً هناك حد أدنى من الإختلاف بين الشيعة والسنة. الصلاة، الصيام، الزكاة،...هي قضايا حولها حد أدنى من الإختلاف. هذا يُظهر أننا نتمتع بمصدر فقهي مشترك.
في معظم الحالات هناك وجوه مشتركة بيننا وبين أهل السنة حول صلحاء العالم الاسلامي. شخصيات قليلة هي تلك التي يختلف عليها الشيعة والسنة. كما يوجد الكثير من المشتركات بيننا فيما يخص رموز المسلمين مثل القبلة المشتركة، تكريم المساجد، تعظيم العلماء و... كما توجد مشتركات كثيرة حول الكثير من معارف الدين الأساسية مثل المعاد والتوحيد والنبوة.
السؤال الآن هل يمكن أن يكون لدينا تقارب في المجال السياسي على أساس نهج العقائد الدينية؟ نقول بالتأكيد. نظراً لعدد الحالات المشابهة يمكن الحصول على هذا الأمر الهام. خاصة أن أكثر ما يضر الغرب اليوم هو التقارب بين الشيعة والسنة.
فبقدر الكراهية الموجودة في المجتمعات السنية تجاه أمريكا فإن هذه الكراهية موجودة لدى المجتمعات الشيعية. طبعاً مستوى كراهية أمريكا لدى الشيعة عال جداً ولكن بالمقارنة فإن السنة لديهم كراهية أكبر. لأن اعتداءات أمريكا في الدول السنية كانت أكثر بكثير. وحول الكيان الصهيوني أيضاً توجد هذه الرؤية بيننا وبينهم.
البناء السياسي الواحد بين الشيعة والسنة ليس معناه أننا مشتركون في جميع التفاصيل. نحن مشتركون في الكليات يعني أن تتشكل الحكومة القائمة على الدين والعدل والمعاد.
في الوقت نفسه في السنوات الأخيرة لدينا تجربة مريرة حيث شهدنا صعود مجموعات في العالم الإسلامي لم تكن متعاونة بل كانت انفصالية. فإذا حكمنا على هذا الأمر دون الإهتمام بالجذور فإن جوابنا سيكون أنه لا نستطيع أن نصل مع المسلمين السنة إلى نقاط مشتركة. لكن إذا اهتمينا بالأسس فيجب القول أن ذلك الشيء الذي أبعد مجموعات أهل السنة عنا خلال السنوات الأخيرة لم يكن الوضع الطبيعي لأهل السنة. يعني لم تكن نابعة من التعاليم الدينية لأهل السنة. بل كانت حالة طارئة وكان هناك يد أجنبية تبث الخلاف والشقاق بين الشيعة والسنة.
للأسف لا يتم الإهتمام بهذه القضية في بلادنا ونظراً إلى أنه لدينا ثورة إسلامية تمتلك أساس ديني ورسائل دينية، وتعتبر أن أول مهمة لها إصلاح وضع العالم الإسلامي إلا أن هناك فئة تظهر أننا غير قادرين على إيجاد وجهات نظرة مشتركة مع أهل السنة. يقولون أنه من الأفضل أن لا نتحدث عن موقف الدين ولنتحدث من موقف السياسة وأن نتعاون مع المجموعات التي لديها تعصب ديني أقل أو ليس لديها تعصب ديني بالأصل أبداً. هذه الرؤية هي رؤية منحرفة بالكامل. لأنه إذا قبلنا أن الإسلام لديه مبدأ تشكيل مجتمع إسلامي فإننا لا نستطيع التوجه نحو العلمانية. لأنه مع العلمانية لا يمكن خلق مجتمع إسلامي أبداً.
هل يمكننا القبول أن ثورتنا رسالتها هي المساعدة على إيجاد مجتمعات غير دينية؟! بناءاً على هذا الفكر المنحرف فإن هناك مجموعة تثير مثل هذه القضايا استمراراً للمؤامرات الغربية التي تريد إبعاد المسلمين عن بعضهم.
*الأشخاص الذين يطرحون هذه القضية يقولون أن التيارات السياسية لدى أهل السنّة (ليس جميع السنّة) لابدّ أن تلتحق بالنهج السلفي. فما هو رأيك؟
أنا أسأل سؤال هو هل السلفية خاصة بأهل السنة؟ أوليس لدينا في الشيعة أشخاص يجوزون نوعاً من السلفية الجافة اللامنطقية وإلى جانب ذلك فإن ارتباطهم بأمريكا وإسرائيل معلوم أيضاً. يعني أولئك الذين يعلنون هذه الأيام أن ملكة انكلترا من السادات الهاشميين ونحن نقبّل يدها وفي الوقت نفسه يتحدثون في قنواتهم ضد أهل السنة، ألا يعتبر نوع من السلفية الشيعية المنحرفة؟
لذلك فالسلفية بمعناها المنحرف موجودة لدى الشيعة والسنة. ولكن هل جميع أهل السنة تكفيريون وضد الشيعة؟ ليس الأمر كذلك. فالتكفير في أهل السنة تيار هامشي بالكامل. ربما لا يوجد لدينا في جميع أهل السنة واحد بالمائة تكفيريين. طبعاٌ لأن التكفيريون يثيرون ضجة أكثر من غيرهم لذلك يُشاهدون أكثر. لكن في أي مكان من العالم الإسلامي يحكم التكفيريون؟ حتى في السعودية هل السلطة مع الوهابيين؟ هناك آل سعود هم من يحكمون ويشربون الخمر بشكل علني أمام الكاميرات ويقومون بالكثير من الأعمال غير المقبولة لدى الوهابية.
نستطيع أن نقول أن التكفيريين لا يحكمون في أي مكان لدى أهل السنة. معظم أهل السنة لديهم ميول صوفية. في الهند وفي آسيا الشرقية توجد اتجاهات صوفية قوية. في أفريقيا على سبيل المثال نرى التيار الصوفي هو الحاكم. في قسم كبير من آسيا الغربية مثل تركيا فإن التصوف هو الحاكم. في جنوب أروبا حيث يتواجد المسلمون فإن التصوف هو الحاكم أيضاً. لذلك فإن التيارات المتطرفة ليست هي الوجه الحقيقي لاهل السنة. ومع ذلك فقد وقع في هذه السنوات تحريض من قبل الغرب فشوهدت المجموعات التكفيرية أكثر و دُعمت أكثر. لا ينبغي أن ننخدع ونترك أهل السنة بذريعة أننا نتبرأ من التكفير. الأزهر مصر سئم من التكفير، المدارس الدينية التركية سئمت من التكفير، كذلك أهل السنة في العراق. إن النفور من التكفير قوي جداً في عالم أهل السنة.
لا ينبغي حتى اعتبار التكفير والسلفية شيء واحد. فالسلفيون الإفراطيون قليلون. جميع السلفيون لا يوصون بالقتل. لديهم تحجر ديني حيث توقفوا في الزمن. لكن هذا ليس معناه الإرهاب. يجب فصلهم عن بعضهم.