الأخوان في مصر وبعض الدول الأخرى و بحسابات سياسية خاطئة- وليس حسابات دينية خاطئة- قد ظنوا أنهم إذا اتصلوا بأمريكا ستُحل مشاكلهم وإذا تقاربوا من إيران فإن مشاكلهم ستزداد، فأبدوا ميلاً نحو أمريكا. هذا بسبب الحسابات «السياسية» الخاطئة.
سعد الله زارعي
*يقول المعارضون أن أهل السنة كلما أصبحوا سياسيين أكثر فإنهم يتوجهون أكثر نحو الإفراط وبالعكس. كما أن الصوفيين الذين ذكرتهم ليسوا اهل سياسة.
التيارات السنيّة التي كانت حتى سلفية و وصلوا إلى السلطة لم يكونوا تكفيريين بالضرورة. فمثلا السنوسيين الذين حكموا ليبيا أكثر من 200 عام وسقطوا في النهاية على يد القذافي في عام 1969 لم يكونوا تكفيريين. إنهم الآن موجودون ولديهم علاقات جيدة معنا. أو في تونس تيار راشد الغنوشي الذي استطاع أن ينتزع 40 بالمائة من مقاعد البرلمان ليسوا إفراطيين ولديهم منذ القديم علاقات جيدة مع الجمهورية الإسلامية. أو الإسلاميون السنة في تركية الذين وصلوا يوماً إلى الحكم بقيادة السيد أربكان لم يكونوا تكفيريين. حتى حزب العدالة والتنمية الذي هو حزب أردوغان والذين نعتقد أن لديهم مشاكل أساسية ليسوا تكفيريين.
الفاطميون في مصر مع انه كان لديهم ميول شيعية إلا أنهم في النهاية سنّة ولم يكونوا تكفيريين. التيارات التي شكلت الحكومة الغوركانية في الهند والتي كانت حكومة دينية لم يكونوا تكفيريين. أو على سبيل المثال السنّة الذين جاءوا وأوجدوا السلالة العثمانية التي امتدت 600 عام لم يكونوا تكفيريين. لذلك فإن هذا الكلام بأن أهل السنة يصبحون تكفيريين عندما يصلون إلى السلطة ليس له شاهد تاريخي ولا استدلال منطقي.
في الوضع الحالي ظهرت حركات منحرفة و ركبت موجة الإسلامية السنية وأطلقوا شعار التكفير. إن لدى أهل السنة مشكلة مع التكفير. عندما نشارك في الحج و نشاهد مسلمي مختلف المناطق نرى أن الأصوات المناهضة للتكفير والإرهاب شاملة وعامة.
أظن أن هناك أياد تعمل على التفرقة بيننا نحن وأهل السنة. لأنهم يعلمون أن قوة الجمهورية الإسلامية في شعار الوحدة هذا. يريدون أن يأخذوا هذا من الثورة الاسلامية لذلك يقولون لا يمكن العمل مع أهل السنة. كما أنهم يذهبون بين أهل السنة ويقولون أن الشيعة لا يقبلون بأهل السنة، إنهم يصلّون نحو كربلاء بدل الكعبة...
إننا لا نرى ذلك وضع طبيعي. أشعر أن هناك أيادٍ جاسوسية في الوسط ليخلقوا في مجتمعاتنا شعوراً من الشك بين الشيعة والسنة.
*ليس ضرورياً أن يكونوا تكفيريين ليصبحوا مناهضين لنا. مثلاً الاخوان المسلمين ليسوا تكفيريين لكنهم وقفوا ضدنا بشكل كامل خلال السنوات الأخيرة.
نستطيع الحديث حول الحالات ولكن لا نستطيع أن نصدر حكماً كلياً. أتساءل لماذا لا نصدر حكماً على حكومة السيد ربّاني؟ عندما جاءت حكومة ربّاني السنية في أفغانستان كيف كانت علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية؟ لماذا استشهد في الأصل؟ متى استشهد؟ عندما شارك في اجتماع في إيران استشهد أثناء عودته. كذلك انظر إلى السيد أوربكان وأدائه تجاه الجمهورية الإسلامية. لكن الأخوان في مصر وبعض الدول الأخرى و بحسابات سياسية خاطئة- وليس حسابات دينية خاطئة- قد ظنوا أنهم إذا اتصلوا بأمريكا ستُحل مشاكلهم وإذا تقاربوا من إيران فإن مشاكلهم ستزداد، فأبدوا ميلاً نحو أمريكا. هذا بسبب الحسابات «السياسية» الخاطئة. أولا يوجد الآن في حكومة بلادنا أشخاص ينادون ليلاً نهاراً وبحسابات خاطئة أنه يجب أن نتعامل مع أمريكا ونسحب يدنا من المقاومة و...حسنٌ من هم هؤلاء؟ليسوا سنّة ولا سلفيون ولا تكفيريون. إنهم شيعة لديهم حسابات سياسية خاطئة. لذلك لا فرق بين الشيعة والسنة في هذه الحسابات الخاطئة.
*برأيك وعلى خلفية الأحداث الأخيرة في العالم الإسلامي هل سيكون هناك مكان لموضوع التعامل والتعاون مع أهل السنة في مشروع كبير على المدى الطويل للثورة الإسلامية يقوم على تشكيل الحضارة الإسلامية؟
هذا السؤال أساسي ومفتاحي. إننا نعتقد في مدرسة الشيعة أن الإسلام سيصبح شاملا مع ظهور إمام الزمان(عج) وأنه سيحكم العالم. سؤالنا أننا كشيعة ولكي يحصل هذا الأمر فهل ينبغي أن نكون على خلاف مع أهل السنة أم أن نكون في سلام وتواصل؟
أعتقد أنه بنظرة حضارية كبيرة وبنظرة إلى مباديء الثورة الإسلامية فمن الضروري تعميق العلاقة مع الأخوة أهل السنة وأن لا نضخّم بعض المرارات الناتجة عن الحسابات السياسية الخاطئة وأن نذهب نحو الشيء الذي يجعلنا نخلق في العالم الإسلامي أرضية لإقامة الحكم الإسلامي.
هذا ممكن ولكن الموضوع الهام للغاية هو أنه ينبغي علينا نحن الشيعة مساعدة أخوتنا من أهل السنة ليتمكنوا اختيار نموذج إسلامي من نصوصهم يكون متقاطعاً مع قضايا العالم الإسلامي. مع الإسلام الحقيقي الذي يختارونه- وبالطبع سيكون هناك اختلافات معنا- لنتمكن من امتلاك تقارب في العالم الإسلامي. نفس العمل الذي قام به الإمام. فعندما رفع راية المواجهة مع إسرائيل انضوى جميع أهل السنة تحت تلك الراية. والأمر كذلك حول المواجهة مع أمريكا. عندما كان حزب الله في حرب 33 يوم يحارب اسرائيل كان أهل السنة يخرجون مسيرات في شوارع تركيا وباكستان وأفغانستان تأييداً لحزب الله.
لذلك إذا نظرنا إلى الأمور نظرة حضارية نستطيع تعزيز المجالات المشتركة من أجل التوصل إلى نظام سياسي مشترك. بالطبع نظام مشترك يحمل في طياته فروقات أيضاً. فمثلاً نصل نحن في الشيعة إلى ولاية الفقيه وهم لا يصلون. ولكنهم يصلون إلى الحكومة الاسلامية. يعني الحكومة التي تريد تطبيق الشريعة الاسلامية.
برأيي لقد تأخرنا قليلاً في هذا المجال. لقد تأخر علماؤنا في هذا المجال. مرت فترات كانت المذاهب الأربعة تُدرّس في حوزاتهم العلمية. وأهل السنة كان لديهم مقاعد في حوزاتنا العلمية في النجف، وأصفهان، وتبريز، وشيراز، وجبل عامل والبحرين والمدينة. الآن أين المقاعد الدرسية للمالكية والشافعية والحنبلية والزيدية والعلوية و...في حوزاتنا العلمية؟ كم هي النسبة المئوية من علمائنا الذين يعلمون ما هي عقائد العلويين الشيعة، فما بالك بأهل السنة. في هذه الحالة كيف نريد أن ننشر فكر الثورة الاسلامية على امتداد العالم. علينا أن نعمل ونفتح أحضاننا لأهل السنة. خاصة علماؤنا عليهم أن يكون أهل تسامح مع أهل السنة و يذهبون لملاقاتهم ويقومون بتكريمهم. ها كله متروك في زماننا. في فترات ما كان أعلام مثل العلامة شرف الدين يقومون بمثل هذه الأعمال. الإمام الصادق(ع) كان بنفسه بعنوان رئيس للمذهب الجعفري يقبل حضور فقهاء مذاهب أهل السنة ويتباحث معهم في الصفوف.