نحن أمام ما قام به ترامب بالأمس، أمام منكر عظيم وظلم تاريخي كبير للمقدسات وللأمة وأمام استعلاء واستكبارٍ وعتوٍ قلّ نظيره مما يرتب على الجميع مسؤوليات في المواجهة.
جاء في خطاب السيد حسن نصر الله الأمين العام للمقاومة الإسلامية في لبنان بعض دلالات الإستكبار الأمريكي في قرار رئيسها بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والإستخفاف بالقرارات الدولية والمجتمع الدولي والعالمين العربي والإسلامي حيث مما أشار إليه السيد نصر الله:
أمس ترامب وهو يعلن هذا القرار ويوقع بهذا المشهد وما رافقه وحوله وقبله ومعه بعض الدلالات، بحسب الظاهر بأن دول العالم كلها ترفض هذا القرار ولا تؤيده باختلاف اللهجة. بحسب الظاهر أيضاً أن جميع الدول العربية والإسلامية ترفض هذا القرار ولا تؤيده. حسناً، هذا معناه أن العالم ودول العالم كله تقول لترامب نحن نرفض هذا القرار وهذه الخطوة، بعضه يقول نرفض، بعضه يقول نأسف، بعضه يقول لا نؤيد، بعضه يشجب، بعضه يدين على اختلاف اللغة وأدبيات الموقف، فإذا به لا يصغي لأحد ولا يقبل من أحد، ولا يحترم أحداً، لا حلفاؤه الاوروبيين، ولا حلفاؤه بالعالم العربي والاسلامي، ولا ما يسمى بالمجتمع الدولي، إذا كل هذه الدول ليست مجتمع دولي، يعني من هو المجتمع الدولي؟ واشنطن؟ وتعرفون أن الأميركيين دائما، أحياناً يشنون حروباً على شعوب وعلى حكومات تحت عنوان أنها لا تحترم إرادة المجتمع الدولي، فأين احترامهم لإرادة المجتمع الدولي؟ أين احترامه للإرادة الدولية؟ أين احترامه لدول العالم؟ ما شهدناه بالأمس هو استهانة واستخفاف بكل دول العالم، بكل عواصم العالم، بكل حكومات العالم من أجل إسرائيل
أيضاً هو يعرف والأميركيون في إدارته يعرفون، أن في هذا إهانة، ليس استهانة فقط، أن في هذا إهانة واعتداء على مشاعر مليار وأربعمائة أو خمسمائة مليون مسلم في الحد الأدنى في العالم، ومعهم مئات الملايين أيضاً من المسيحيين الذين لا يوافقون على هذه الخطوة ويشعرون بالإهانة وبالاستفزاز. حسناً، لا نريد أن نجمع الآن عدداً كبيراً، مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين بالأمس شعروا بالإهانة أن المدينة المقدسة لديهم، أن المدينة التي تحتوي مقدساتهم وتحمل هويتهم الدينية والحضارية وتمثل تاريخهم الطويل والمجيد تم إعطاؤها هكذا لدولة صهيونية مصطنعة، ومصادرة كل هذا التاريخ وكل هذه القيم وكل هذه المعاني. إذاً نحن أمام رجل وأمام إدارة لا يعنيها لا كرامات ولا مشاعر ولا عواطف ولا وجدان ولا قيم مليارات أو مئات الملايين من الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة وفي العالم.
أيضاً من الدلالات، وخصوصاً في قضية مقدسة من هذا النوع، من الدلالات، لأن هذا قيل أمس أيضاً من قبل حكومات ودول وسياسيين كبار حتى من قبل السلطة الفلسطينية وآخرين، أن ما فعله ترامب هو خرق للقرارات الدولية وللمواثيق الدولية وللاتفاقات الموقعة والتي تم رعايتها من قبل الأميركيين أنفسهم، هذا أيضا ًمن الدلالات، وهذا يعني أننا أمام إدارة أميركية لا تحترم القرارات الدولية وهي تريد من العالم أن يحترمها، ولا تلتزم بالاتفاقيات الدولية وتنسفها ساعة تشاء وتنسحب منها ساعة تشاء وتضربها بعرض الحائط ساعة تشاء، ثم تحارب دولاً وشعوباً وحكومات بحجة أنها خرجت على قرارات دولية أو مواثيق دولية. هذه أميركا التي تحاول اليوم أن تفرض نفسها على العالم، إذاً نحن أمام إدارة لا تشكل أي ضمانة، لا التزامها ولا عهودها ولا مواثيقها ولا اتفاقياتها ولا ضماناتها، ولا رعايتها ولا التزاماتها، كل ما تلتزم به إدارة أميركية قد تأتي إدارة أخرى أو يأتي رئيس آخر وفي ليلة وضحاها ينسف كل شيء ولا يحترم وليس لديه أي قيمة لما يسمى قرارات دولية واتفاقات أو مواثيق أو عهود أو عقود أو ما شاكل وهذا يعني أنه لم يعد هناك أمن وأمان في هذا العالم، أصبح العالم محكوماً بشريعة غاب وبأهواء الرجل الذي يسكن في البيت الأبيض.
من جملة الدلالات أيضاً، وهذه نقطة مهمة جداً، أنه ما هي قيمة حلفاء أميركا لأميركا؟ حلفاؤها في الدول العربية، حلفاؤها في الدول الإسلامية، هذه الدول العربية والدول الإسلامية أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية ودول كبيرة وعظيمة ومهمة، ماذا تعني للإدارة الأميركية؟ ماذا تعني لترامب؟ وفي قضية حساسة من هذا النوع؟ لا شيء، لا شيء. سمعنا قبل إعلانه للقرار أنه فلان الملك وفلان الأمير وفلان الرئيس وفلان الزعيم وفلان اتصل وحذر ونبّه ورفض وشجب، ألم يقال ذلك في وسائل الإعلام؟ هل أصغى لأحد؟ هل احترم أحداً؟ هل قدّر أحداً؟ يعني يجب على جميع حكام العرب والمسلمين وجميع الدول العربية والإسلامية وجميع الشعوب العربية والإسلامية أن تفهم جيداً من خلال هذه التجربة أنها لا تساوي شيئاً على الإطلاق بالنسبة للرئيس ترامب والإدارة الأميركية وأميركا، وفي قضية بهذا المستوى من القداسة وهذا المستوى من الحساسية، هذا يجب أن يبقى في البال. والذين نظّروا خلال السنوات الماضية للذهاب أبعد ما يمكن إلى الولايات المتحدة الأميركية بدعوى تراجع أهمية إسرائيل، تعرفون كان هناك نظريات بالعشر سنوات الماضية بأن إسرائيل تراجعت قيمتها عند الأمريكان وتراجعت أهميتها والأمريكان الآن أصبحوا يرون بعينين وليس بعين واحدة، ويراعون كل المصالح، تبيّن أن هذا كله كلام فارغ وأن كل ما عدا إسرائيل في المنطقة ليس له أي قيمة ولا يتم الوقوف لا عند خواطره ولا عند مشاريعه ولا عند مصالحه ولا عند تمنياته ولا حتى عند توسلاته وأن الأول في المنطقة بالنسبة لأمريكا هو إسرائيل والتي تقدم مصلحتها على كل المصالح وكرامتها على كل الكرامات وأمنها على كل الأمن وموقعها وقوتها على كل المواقع هي إسرائيل.
لذلك نحن أمام عدوان أميركي سافر على القدس وعلى أهلها وعلى مقدساتها وعلى هويتها الحضارية وعلى فلسطين وشعبها وقضيتها وعلى كل الأمة، حكومات وشعوب وتاريخ وحضارة، ونحن أمام ما قام به ترامب بالأمس، أمام منكر عظيم وظلم تاريخي كبير للمقدسات وللأمة وأمام استعلاء واستكبارٍ وعتوٍ قلّ نظيره مما يرتب على الجميع مسؤوليات في المواجهة.