إن المجموعة التي رأيتها في ذلك المزار [مشهد رأس الحسين (ع)] من حيث الخضوع و التوسل والتبرّك بالضريح والبكاء والدعاء لم يكن أقل مما نشاهده من زائري حرم سيد الشهداء(ع) في كربلاء أو حرم الإمام الرضا(ع) في مشهد. الحقيقة هي أن سكان القاهرة في محبتهم لأهل البيت(ع) هم شيعة بكل ما تعنيه الكلمة، ولكنّ الدعاية و إعمال قوة آل عثمان منذ القرن التاسع عشر فما بعد قد نشرت التسنن رويدا رويداً في مصر و من جهة أخر فإنها قدّمت الشيعة للشعب المصري في رديف إرهابيي حسن الصباح.

قليل هم من لا يعرفون الدكتور جعفر شهيدي. أستاذ الأدب و تاريخ الإسلام الذي قدّم لإنصاف خدمة كبيرة للمجتمع العلمي في بلادنا. لقد زار مصر خلال عمره المبارك مرتين كما كتب مذكراته في كلا الزيارتين. لقد دخل مصر أول مرة في سن الخمسين و ثاني مرة في سن السبعين. كتب في مذكرات رحلته الثانية: «كتبت في مذكراتي قبل عشرون عاماً: الشعب المصري صديق لنا بل إنه يعتبرنا منه، كما أنني علمت في هذه الزيارة أن سلوك الناس هو هذا ولا دخل لهم بتصرفات مسؤولي الحكومة»(1) هكذا يصف الدكتور شهيدي في مذكرات رحلته الأولى مشاهداته المباشرة: « إن المجموعة التي رأيتها في ذلك المزار [مشهد رأس الحسين (ع)] من حيث الخضوع و التوسل والتبرّك بالضريح والبكاء والدعاء لم يكن أقل مما نشاهده من زائري حرم سيد الشهداء(ع) في كربلاء أو حرم الإمام الرضا(ع) في مشهد. الحقيقة هي أن سكان القاهرة في محبتهم لأهل البيت(ع) هم شيعة بكل ما تعنيه الكلمة، ولكنّ الدعاية و إعمال قوة آل عثمان منذ القرن التاسع عشر فما بعد قد نشرت التسنن رويدا رويداً في مصر و من جهة أخر فإنها قدّمت الشيعة للشعب المصري في رديف إرهابيي حسن الصباح؛ كما أن ثاني سؤال طرحه عليّ مراسل مجلة آخر ساعة هو هل الشيعة لديهم عقائد الحشاشية؟ ولأنني أجبت: «إنّ الشيعة منذ قديم الأيام يعارضون الحشاشية وأعمالهم، خاصة استخدام القوة التي هي جزء من أعمالهم العادية، وهو مرفوض و مخالف للدين.» فتعجب و بالتأكيد مع قيد «العهدة علي الراوي» وضع هذا الجواب في العدد 2425 الثاني من صفر 2012 في المجلة. مع أن مسجد رأس الحسين من حيث النظافة والتزيينات الداخلية ممتاز إلا أن الساحة والسوق اللذان يحيطان به من الجانبين يشبهان الحالة الموجودة في معظم مزارات الشيعة»(2)     كما ورد في مذكراته أمثلة مثيرة عن نظرة الشعب وعلماء مصر بالنسبة لإيران والتشيّع: «أتذكر أنه قبل تسع سنوات عندما سافرت إلى مصر لأول مرة سألني مراسل مجلة المصور أثناء المقابلة: «أنت شيعي؟» فقلت: «نعم» فسأل: «أصحيح أنكم تعتقدون أن جبريل كان يريد النزول على علي ولكنه أخطأ وذهب إلى محمد» تعجبت. قلت: «إنني أتعجب أن يصدر هذا السؤال عن رجل متعلم مثلك، أنا لا أقول أن مثل هذه الفرقة بمثل هذه العقائد السطحية ليست موجودة بين المسلمين،  لكن إذا كان بين فرق اليوم فرقة لديها مثل هذا الإعتقاد-ولا أظن أن مثل هذه الفرقة موجودة- فإنهم يعتبرون بمنزلة الغلاة و مذهب الغلاة مرفوض بحسب رأي الشيعة. فكل شخص باسم الإسلام يعتبر علي أو غطر علط أفضل من محمد(ص) فليس بمسلم.»(3) ويعتقد الدكتور شهيدي في تحليل هذا الموضوع أنه «في عصر قوة بغداد سواء في عصر الفاطميين أم بعدهم(العثمانيون) ازدهر سوق الشائعات و التزوير والتلفيق لدرجة أن العلماء حتى لم يكونوا ليصدّقوا أنّ كل تلك التّهم ليست بلا أصل، تماماً كذلك الشيء الذي كان شائعاً بعد الحروب الصليبية فيما يخص مسيحيي أوروبا بالنسبة للمسلمين. منذ ذلك التاريخ استقرت تلك التصوراتالخاطئة حول الشيعة في ذهن الشعب المصري وأفريقيا و كانوا يظنون أن التشيع هو مزيج من  الأديان اليهودية، المسيحية الزرادشتية و الباطنية؛ كما أنّ عالماً متتبعاً مثل أحمد أمين قد ضمّن كتابه مثل تلك العبارات في كتاب فجر الإسلام. » كما أكد الدكتور شهيدي أن أحد أسباب معارضة أعداء التقريب للشيعة إلى جانب تفكيرهم المحدود وظاهرهم الضيق هو أنهم «يعرفون عن الشيعة فقط ما قاله أشخاص مثل ابن تيميه و ابن القيّم كما أنهم يتصورون أن الإسماعيلية في عصرهم هم المثال الكامل للشيعة.»(2) كما كتب أيضاً: «ذات يوم ذهبت للقاء (وكيل الأزهر الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود) فسألني: «ما هي منزلة المتصوفة في إيران؟» قلت: «إن الصوفيين الحقيقيين كانوا دائماً محل تكريم في إيران» قال: «أنت شيعي المذهب و قد سمعت أن الشيعة لا يحبون الصوفيين» علمت أنه قد قرأ بعض كتب متأخري الشيعة. قلت: «إنّ ما سمعته أو قرأته هو اعتراض على الأشخاص الذين لم يعرفوا التصوف و يعتبرون أنفسهم صوفيين، ولا يطبقون الأحكام الشرعية ويزعمون أنهم على الطريقة. إن مثل هؤلاء الاشخاص سواء أطلقوا على أنفسهم اسم الصوفية أم لم يطلقوا فإنهم مرفوضون لدى جميع الفرق الإسلامية. لكن أيّ شيعي ينكر شخصاً يقوم بالتكاليف الظاهرية والذي يمنحه نور الإيمان الصفاء الداخلي؟» و أوردت له كلام الملا محسن فيض والشهيد الثاني والمجلسي و عدة أشخاص آخرين لديهم معرفة بالعرفان الإسلامي.»(5) كما كتب الدكتور شهيدي في مذكرات رحلته الثانية حول نظرة المصريين للثورة الإسلامية الإيرانية: «في لقاء جمعني بشيخ الأزهر قال: «إننا نحترم الشعب الإيراني و الثقافة الإيرانية. بعد الثورة التي حصلت في ذلك البلد أصبحت آمالنا معلقة عليكم. لكنكم في بداية ثورتكم قلتم أنّ جميع المذاهب الإسلامية يجب أن تزول ويحلّ مكانها مذهب الشيعة.» فسألته متعجباً: «من قال لك هذا الكلام؟» فأجاب: «وهل معنى (تصدير الثورة) شيء غير هذا؟ أولم تقولوا أنه يجب على جميع المسلمين أن يقبلوا مذهبنا و يصبحون شيعة؟» قلت: «شيخنا صحيح أننا شيعة لكننا لم نقل أبداً أن مقصودنا من ثورتنا هو أن تترك مذهبك و تصبح شيعياً. إنّ معنى تصدير الثورة هو أن تقتدي بنا الشعوب المسلمة و أن تهبّ في وجه الحكم الاجنبي و يخرجوهم من بلدانهم.» فقال: «إذا كان هذا هو معنى تصدير الثورة فنحن نوافق عليه.» هذا كله نتيجة الدعايات المغرضة التي كانت الإذاعة تكررها ليل نهار ونحن لم نتمكن إيصال الحقيقة بشكل صحيح لأولئك الناس.»(6)     المصادر: 1 – من الأمس حتي اليوم، ص 818 2 - من الأمس حتي اليوم، ص 697 3 - من الأمس حتي اليوم، ص 163-164 4 – من الأمس حتي اليوم، ص 841 5 – من الأمس حتي اليوم، ص 701 – 702 6 – من الأمس حتي اليوم، ص 816 -817