هذا التقرير حول الفتنة الدينية التي ظهرت في عام 1202 في بخارا و خراسان...في ذلك العام كتب الأمير منغيتي كتاباً من صفحتين ضد الشيعة وفي ذلك الوقت ردّ عليه عالم شيعي. قام هذا العالم الشيعي ضمن الرد على كلامه المسيء بشرح هذه الحقيقة بمنتهى الدقة والصدق...

* حجة الاسلام رسول جعفريان    هذا التقرير حول الفتنة الدينية التي ظهرت في عام 1202 في بخارا و خراسان...في ذلك العام كتب الأمير منغيتي كتاباً من صفحتين ضد الشيعة، وفي ذلك الوقت ردّ عليه عالم شيعي. قام هذا العالم الشيعي في سياق رده على كلامه المسيء بشرح هذه الحقيقة بمنتهى الدقة والصدق وهي أنه بغض النظر عن هذه القضايا التي هي خلاف العرف السائد، فإن الشيعة و السنة اليوم في جميع أرجاء العالم الاسلامي من الشام و بغداد و مصر والهند جميعهم يعيشون معاً بسلام تماماً كما عاش أكبر مراجع الشيعة في العراق مثل وحيد البهبهباني بمنتهى السلام وفي أمن كامل في ظل السلطان العثماني. هذا الهدوء الذي قضت عليه الوهابية باسم إحياء السلف. تقرير طويل نوعاً ما. أرجو أن تطالعوه معي.   واحدة من ساحات الصراع السياسي والفكري بين الشيعة و السنة في العصر الصفوي، بغض النظر عن العثمانيين في غرب إيران، كانت خراسان، المكان الذي بدأ فيه الأوزبك الشيباني الحرب ضد الصفويين لأسباب داخلية و بتحريض من العثمانيين أيضاً. استمرت هذه المعارك لفترة طويلة إلى أن هدأت الأمور قليلا وذلك تدريجياً منذ عصر الشاه عباس و بعد انتصاره على الأوزبك في العقدين الأولين من القرن الحادي عشر. جاء شرح هذه الصراعات العسكرية والسياسية في مصادر العصر الصفوي والأبحاث الأخرى.   وفي مجال الجدال الكلامي هناك معلومات كثيرة أيضاً. ففتاوي التكفير موجودة لدى الطرفين وكان الأوزبك يحاولون من خلال تكفير القزلباشيين و الصفويين لتحضير عامة الناس للهجوم. لكن هذا الأمر قد عاد ليظهر مرة أخرى في أواخر العهد الصفوي لكن بصورة أقل من الماضي. في ذلك الزمن بدأت الحكومة المنغيتية تتشكل تدريجياً في بخارى بمساعدة سياسات نادر شاه. في الحقيقة وفي النصف الثاني من القرن الثاني عشر كان رحيم خان مؤسس هذه الدولة وقبل ذلك كان مع عشرة آلاف جندي في معسكر نادر، وفي ذلك الوقت كان هناك شخص اسمه أبو الفيض خان وهو من خانات جنكيز القدماء يحكم تركستان.  تم نفي هذا الشخص بواسطة رحيم خان بعد قتل نادر وعودته إلى بخارى فأسس الحكومة المنغيتية. ورد شرح تأسيس هذه الحكومة بواسطة محمد رحيم خان في كتاب «تحفة الخاني أو تاريخ رحيم الخاني» (المؤلف: محمد قاضي وفا، تصحيح منصور صفت كل بالتعاون مع نوبوآكي كندو، مؤسسة دراسات لغات وثقافات آسيا وأفريقيا، طوكيو 2013) يُظهر هذا الأثر أنه بعد مرحلة التفكك بين ما وراء النهر و إيران في عصر الأوزبك قام نادر شاه بترميم تلك العلاقات، على الرغم من وجود نوع من الإزدواجية خاصة من الناحية المذهبية بين القوات المحلية و ما كان موجوداً و يُسمى بالقزلباش.   من أهم خانات بخارا الأمير معصوم (شاه مراد- بيكي جان- ولي النعمي) ابن الأمير دانيال بن رحيم خان حيث جلس أبنائه من بعده على العرش لسنوات طويلة و كما قيل فإنهم يشكلون سلالة طويلة نسبيا تعرف بالمنغيتية. حكم من بعده حيدر سلطان وبعده الأمير نصر الله بهادر سلطان (1242-1277). ومع مجيء الروس إلى المنطقة اختفت هذه السلالة. وقد كُتبت ملحمة انتصار خسروي (طهران، التراث المكتوب، 1377) حول نصر الله بهادر. حكمت هذه الحكومة حتى عام 1328ق / 1920 لمدة 167 عام. (راجع: آل منغيتيه في إمارات بخارا، شمسا، برات، مجلة الفقه والحضارة الاسلامية، شتاء 1385، العدد10، صص90- 110).   كتب باسورث حول نهاية تلك الحكومة: هزم الروس الأمير مظفر الدين هزيمة نكراء فخسر جزء من أراضيه، وفي النهاية خسر استقلاله (1285/1868). بعد ذلك بقي الخانات في منطقة ضيقة ولم يعد الروس يتدخلون بشكل يُذكر في شؤونهم الداخلية. وبالتالي بقي أمراؤهم مستبدين وظالمين وبقيت طبقاتهم الدينية متعصبة وجاهلة كالسابق. لكن في سبتمبر من عام 1920 انتهت حكومة الأمراء هناك لتظهر «جمهورية بخارا الشعبية» لتتحول هذه الجمهورية بعد فترة قصيرة  إلى جمهورية بلشفية. وكان عليم خان آخر حكامهم حيث هرب إلى كابول. (السلالات الإسلامية، ص554).   وحول إن كان الشيعة المحليين لبخارى قد بقوا منذ ذلك العصر القديم أم لا أجريت أبحاث عديدة. ظاهر الأمر أن العلاقة مع التشيع قد انقطعت منذ القرن الثالث الرابع الهجري فما بعد مع المرحلة الجديدة، لتصبح تلك المناطق خلال قرون طويلة موطناً للسنة الحنفية- الماتريدية و الصوفية النقشبندية. طبعاً كانت توجد بعض الأفكار المتشيعة حول بعض الأمور. بعد ذلك وعندما اضطربت الأوضاع في خراسان ظهرت في بخارا طبقة من السكان الشيعة من الأسرى الإيرانيين ليقوموا بتشكيل نواة صغيرة لديها نوع من الحس الشيعي الإيراني ومازالوا باقون إلى اليوم. ليس لدينا قصد هناك لتتبع تلك المواضيع التي تحتاج إلى تخصص أكبر. إن كل ما ذكرناه في هذه المقدمة كان بقصد إلقاء نظرة على رسالة أو مكتوب الأمير معصوم بيك وجاء فيها بعد الهجوم على نادر شاه و أنه «كان كافراً ولا دين له» و أن الصفويين هم من نشروا التشيع، مطالبة جميع من كانوا في خراسان من الشيعة لينسحبوا جميعاٌ من مذهب الشيعة. فقد وصفهم بالكافرين والزنادقة و قام بتهديدهم إن لم يلتحقوا بركابه فسيقوم بالقضاء عليهم. لقد اشتكى من أنهم يحبون الإمام علي (ع) دون الخلفاء و قال أن عليهم السعي لمدح الشيخين و ذي النورين الذي كان سراج الأمة و هادي الملة و الثناء عليهم و هذه إشارة منه ليقفوا في وجه الدعاية الشيعية.    هذه الرسالة المؤلفة من صفحتين هي أحد الوثائق المثيرة للإهتمام عن تلك المجادلات الفكرية الكلامية و على أساس ذلك الموضوع وهي أنه منذ تشكل الحكومة الصفوية في خراسان ظهرت تلك الشبهة للسكان السنة هناك وهي هل هناك دار الكفر أم دار الإيمان. أدى عمل الأمير معصوم إلى توتير الأوضاع التي كانت مستقرة لأكثر من قرن بين الشيعة و السنة و أعاد شحنها، على الرغم من أنها مرت بسرعة. إن جدال النغيتيين مع خراسان الذي تضمن دعاية شيعية كان ممكناً أن يصبح صراع سياسي- ديني كا قد حصل مراراً في السابق. كتاب معصوم بيك هذا كان نوع من الهجوم على نور محمد خان حاكم خراسان. ففي البداية ذكر مشكلتان كان الصفويون قد أحدثوهما وعلى حد قوله أنهما قضيتا على دين الناس وإيمانهم وهما انتشار القهوة والنارجيلة والأخرى التغيير الذي أحدثوه في القبلة. لقد عبّر عن هذا الموضوع بهذه العبارة و هو انه عليهم السعي حتى «يبعدوا القهوة و النارجيلة اللذان انتشرا بينكم وأن يبنوا محراب المساجد على الطريقة الحنفية». ثم كتب الأمير معصوم أنه «سمعنا أنكم في عزاء حسين ابن فاطمة تصفون آل مروانو أبو سفيان بالفجرة و تشتمون السيدة عائشة رضي الله عنها و عن أبيها. يا لهذا المذهب الباطل والدين الذي لا أساس له وتفاقم الكفار الذين لا دين لهم. عار عليكم! كيف لنا أن نعرف النوم والسكينة و أنتم تقيمون هذا المذهب». ثم يضيف أنه «نحن بحكم «فضّل الله المجاهدين علي القاعدين درجة» لن نستريح قبل أن نضع رجلنا في الركاب وسنسعى دائماً لنشر الدين وازدهار الأمة». النقطة الملفتة في هذه الرسالة أنه يقول إذا أساء آل مروان و آل أبو سفيان «الذين هم أقرباء رسول الله لأقربائه الآخرين من أولاد فاطمة  و ظلموهم فالله أعلم ونحن نميّز بيننا و بينكم ومن هو المحسن و المسيء. فاللعنة لا تجوز إلا على الشيطان. ثم قام بالدفاع عن زوجة الرسول (ص) وتابع بتوجيه الشتائم اللاذعة للشاه اسماعيل و قال أن هذا المذهب «أحدثه اسماعيل الصفوي و كلابه وهو مثل الملا مهدي  الكافر [للعلم أن الملا ميرزا مهدي شهيد من خراسان!] في طوس و باقر الفاجر  [ويقصد وحيد البهبهاني المتوفي 1205 ق است] الذي كان في نواحي بغداد صل و مضل لكم و مضل لعباد الله أنتم أيها الجهلة المخدوعون، و كتب باقر المعروف بالمجلسي التي هي مجلس في جهنم استقرت على محفل من الغواية و الضلالة قد أضلّتكم. كل ما تروه من هذه الكتب فاحرقوه و اقتلوا هذان الشخصان الكافران اذهبوا وقوّوا إيمانكم». فهو يشير الي آثار المرحوم المجلسي والعبارات اللاذعة التي استخدمها ضده تًظهر أن تلك الآثار كانت منتشرة في خراسان. وبهذه الطريقة أصدر فتوى قتل الملا مهدي و محمد باقر وحيد البهبهاني.  وهنا ذكر محمد خان و خاطبه بالكافر وأنه بلا دين. وكأن مقصوده نفس محمد خان حاكم خراسان في ذلك الوقت الذي طلب بعد انتشار هذه الرسالة من محمد رفيع الطبسي أن يكتب جوابها لتتجدد مرة أخرى ذكرى المكاتبات بين علماء مشهد و علماء ماوراء النهر وجواب تلك المراسلات التي وردت في العديد من المصادر. على الرغم من أنها كانت هذه المرة  أكثر محدودية بكثير.